قال عبد الله بن جعفر وغيره: استعمل عبد الله بن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري على المدينة، فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير فقال سعيد بن المسيب: لا: حتى يجتمع الناس، فضربه ستين سوطاً، فصاح به سعيد والسياط تأخذه: والله ما ربعت على كتاب الله، يقول الله: أنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، وإنك تزوجت الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، وما هي إلاّ ليالٍ فاصنع ما بدا لك، فسوف يأتيك ما تكره. فما مكث إلا يسيراً حتى قتل ابن الزبير. وروى أن ابن الزبير لما بلغه ضرب ابن المسيب كتب إلى جابر يلومه ويقول: ما لنا ولسعيد؟ دعه.
وقال يحيى بن سعيد: كتب والي المدينة إلى عبد الملك بن مروان: إن أهل المدينة قد أطبقوا على البيعة للوليد وسليمان إلا سعيد بن المسيب. فكتب أن اعرضه على السيف، فان مضى وإلا فاجلده خمسين جلدة، وطف به أسواق المدينة. فلما قدم الكتاب على الوالي، دخل سليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله، على سعيد بن المسيب، فقالوا: إنا قد جئناك في أمر: قد قدم فيك كتاب من عبد الله بن مروان إن لم تبايع ضربت عنقك، ونحن نعرض عليك خصالاً ثلاثاً، فاعطنا إحداهن، فان الوالي قد قبل منك أن يقرأ عليك الكتاب فلا تقل (لا) ولا (نعم)، قال: فيقول الناس بايع سعيد بن المسيب؛ ما أنا بفاعل. (قال): وكان إذا قال: لا، لم يطيقوا عليه أن يقول نعم. قال: مضت واحدة وبقيت اثنتان. قالوا فتجلس في بيتك فلا تخرج إلى الصلاة أياماً، فانه يقبل منك إذا طلبت في مجلسك فلم يجدك. قال: وأنا أسمع الأذان فوق أذنيّ: حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح؟ ما أنا بفعل. مضت اثنتان وبقيت واحدة. قالوا: فانتقل من مجلسك إلى غيره، فانه يرسل إلى مجلسك فان لم يجدك أمسك عنك. قال: فرقاً لمخلوق؟ ما أنا بمتقدم لذلك شبراً ولا متأخراً شبراً. فخرجوا وخرج إلى الصلاة، صلاة الظهر، فجلس في مجلسه الذي كان