يجلس فيه، فلما صلى الوالي بعث إليه فأتى به، فقال: أمير المؤمنين كتب يأمرنا إن لم تبايع ضربنا عنقك، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين فلما رآه لا يجيب أخرج إلى السدة فمدّت عنقه وسلْت عليه السيوف، فلما رآه قد مضى أمر به فجرّد، فإذا عليه تبّان شعر فقال: لو علمت أني لا أقتل ما اشتهرت بهذا التبّان، فضربه خمسين سوطاً ثم طاف به أسواق المدينة، فلما ردّه والناس منصرفون من صلاة العصر قال: إن هذه لوجوه ما نظرت أليها منذ أربعين سنة.
وروي أن سعيداً لما جردّ ليضرب، قالت له امرأة: إنّ هذا لمقام الخزي، فقال لها سعيد: من مقام الخزي فررنا.
وقال قتادة: أتيت سعيد بن المسيّب، وقد ألبس تبّان شعر وأقيم في الشمس فقلت لقائدي: أدنني منه فأدناني منه، فجعلت أسأله خوفاً من أن يفوتني وهو يجيبني حسبة والناس يتعجبون.
وقال عبد الله بن يزيد الهذلي: دخلت على سعيد بن المسيّب السجن، فإذا هو قد ذبحت لهُ شاة، فجعل الإهاب على ظهره، ثم جعلوا له بعد ذلك قضباً رطباً، وكان كلما نظر إلى عضديه قال: اللهم انصرني من هشام.
وقال أسلم أبو أمية مولى بنى مخزوم وكان ثقة: صنعت ابنة سعيد بن المسيّب طعاماً كثيراً حين حبس، فبعثت به اليه، فلما جاء الطعام دعاني سعيد فقال: اذهب إلى ابنتي فقل لها: لا تعودي لمثل هذا أبدا، فهذه حاجة هشام بن إسماعيل، يريد أن يذهب مالي فأحتاج إلى ما في أيديهم وأنا لا أدرى ما أحبس، فانظري إلى القوت الذي كنت آكل في بيتي فابعثي إلي به، فكانت تبعث إليه بذلك، وكان يصوم الدهر.
وقال قتادة عن سعيد بن المسيّب إنه كان إذا أراد الرجل أن يجالسه قال: إنهم قد جلدوني، ومنعوا الناس أن يجالسوني.
وقال عبد الله بن جعفر وغيره: كتب هشام بن إسماعيل إلى عبد الملك بن مروان يخبره بخلاف سعيد بعد أن وضعه في السجن وما كان من أمره، فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به ويقول: سعيد كان والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وأنا لنعلم ما عند سعيد شقاق ولا خلاف.