يغلب في ظني أن الأزهر انبعث فسمع فرأى ففكر! انبعث كما ينبعث الربيع في أوائل مارس، تراه الشجر سليب جديب الأرض مقرور النسيم، ولكن أسرار الحياة تكون - من وراء بصرك - قد انبثت في الثرى، وجرت في الأصول، وسرت في الجو، فلا تلبث أن تستعلن فتسعد الأرواح بجميل الزهر، وتمتع الأجسام بطيب الثمر
هؤلاء هم شباب الأزهر الجديد أساتذة وطلابا، قد جلت نفوسهم ثقافة العصر، وصقلتها مدنية الحاضر، فاشرق عليها أشعة النبوة ساطعة بعدما حجبها الغمام والقتام حقبا بعد حقب. فهم وحدهم الذين يدركون مسافة البعد بين روح الأزهر وحياة الناس؛ وهم وحدهم الذين يملكون تزييف الأباطيل المقدسة التي اتسمت بسمة الحق، وتسمت باسم الدين؛ ولكنهم حول هذا الهيكل البالي أشبه بالأغصان الخلفة التي تنبت نضيرة على اصل الدوحة العتيقة، ثم لا يتسنى لها الغلظ والسموق لأن الجذور الشيخة لا تمدها بالغذاء كله، والفروع الميتة لا تمكنها من الهواء كله. فإذا لم يرسل الله رسول الإصلاح ويؤته ما آتى أولي العزم من الرسل، فيقطع من أعالي هذه الدوحة ما اعوج، ويجتث من أسافلها ما ذبل، ويكتشف عن جذعها الواهن ما التف عليه من طفيلي النبت، بغي الجفاف على هذه الأفنان النواشئ فتذوي في زهرة العمر وبكرة الربيع
دفعني إلى تعجيل هذه البشرى وتسجيل هذه الظاهرة في هذا الوقت الذي شغل الأذهان بوحوش النازية الهاجمة ما قرأته للأستاذ شلتوت اليوم، وللأساتذة المدني والبهي والشرقاوي من قبل، وما سمعته من صفوة من أولئك الأساتذة الأزهريين الشباب ضمهم مجلس من مجالس الرسالة؛ فلقد كنت - علم الله - أدعو إلى إصلاح الأزهر وفي نفسي خلجات من اليأس؛ لأن أهله الذين وقفوا عقولهم عند حد النقل، وقصروا جهودهم على درس القديم: يشرحونه، أو يحشونه، أو يقررونه، أو يختصرونه، أو ينظمونه، حتى قر في نفوسهم أن القديم افضل من الجديد، والماضي خير من الحاضر؛ فالقرن الأول خير من الثاني، والثاني خير من الثالث، وهلم جرا حتى يجعلوا القرن العشرين شر القرون، وعلماءه أجهل الناس، فلا يجوز لفهم أن يبتكر، ولا لعقل أن يعترض، ولا للسان أن يقول: أن في الإمكان أبدع مما كان؛ أولئك لا يستجيبون لدعوة الإصلاح لأن الإصلاح تتغير أو ابداع؛ وقبول التغيير محال ما لم يتغير ما بالنفس، وإجازة الإبداع باطلة ما لم يتضح معنى