البدعة. ومن أجل ذلك كان لكل مهدي (عليش)، ولكل محمد عبده (رفاعي)، ولكل مراغي (. . .)
أجل، كان يخالجني اليأس من نهوض الإصلاح قبل أن اتصل عن طريق الرسالة بهذه الطبقة الممتازة من الأساتذة الشباب وتلاميذهم الإنجاب في كليات الأزهر الثلاث. فلما عرفتهم وفهمتهم انبثق في صدري الأمل في أن الأزهر سيعود ويقود، وإن الإسلام سيحكم ويسود؛ والأمر رهن بدفن الرميم وكسح الهشيم وانفساح المجال وتحرر العقلية العامة
أعجبني من الأستاذ شلتوت وأصحابه خلوص الدين في قلوبهم، ونصوع فكرته في عقولهم، وفهمهم إياه على أنه دين هذا العصر وشريعة هذا الناس، فنحن ابصر بموقع الحكمة فيه، واجدر باستنباط الرأي منه. والدين كالشمس، لا هي تراث ولا هي اثر. وإنما الشمس للحاضر لا للماضي، وللحي لا للميت، يستفيد منها الفرد بعد الفرد، والجيل بعد الجيل؛ ثم يقتضي اختلاف النظر وتقدم العلم أن يختلف فيها العلماء، وتتعارض في نظامها الآراء؛ ولكن رأي فيثاغورس أو بطليموس، لا يجوز أن يوازن برأي نيوتن أو هرشل
هذه هي المرونة البصيرة التي توجبها سنة الحياة ولا يكون بدونها إصلاح ولا تطور. ولم يصب الأزهر بهذا الجمود إلا لأنه فقد هذه المرونة، فلم يبال فعل الزمن في الدنيا وفي الناس. لذلك لم يعلم التاريخ جامعة من جامعات الأرض بقيت في القرن العشرين على ما كانت عليه في القرون الوسطى غير الأزهر!
كان الأزهر اسبق الجامعات الباقية في الدنيا إلى الوجود. أنشئ عام ٩٧٢م وأنشئت جامعة بولونيا عام ١١٠٠م وجامعة باريس سنة ١١٥٠م؛ ثم تتابعت بعدهن الجامعات في أوربا وأمريكا وكانت كلها تنحو منحى الأزهر في النظام والمنهاج والطريقة؛ إلا أنها سايرت الزمان وأطاعت التطور واستجابت لداعي الحاجة، حتى أصبحت موردا ومرادا لأسمى ما بلغه العقل الإنساني من الثقافة والمعرفة. ولبث الأزهر وحده حيث كان يمضغ كلام السلف، ويردد لغو الالسن، ويعلل ضلال الأقلام، ويصم أذنيه عن أصوات العالم وحركات الفلك، حتى أصبحت المدارس الأولية آدني منه إلى طبيعة العصر، وافهم منه لمعنى الحياة!
لسنا اليوم بسبيل البحث في علل هذا الجمود المزمن المحزن، فذلك شيء تتصل أسبابه بما