حياتنا الأدبية والفنية على ضوء فلسفة العهد الجديد واتجاهاته
أحتشد بقاعة (يورت) بالجامعة الأمريكية يوم الجمعة السابق آلاف من الناس لسماع هذه المحاضرة التي ألقاها الدكتور طه حسين، حتى ضاقت بهم القاعة على رحبها، وامتاز هذا الجمع الكبير بأنه كان يضم أكبر عدد يمكن أن يضمه جمع مثله من الصفوة المختارة من رجال الأدب والسياسة والتعليم، واستغرق الدكتور طه حسين في إلقائها ساعة كاملة وانتهى منها والناس تكاد أكفهم تدمى من التصفيق الملتهب، ويمكننا أن نلخص للقراء هذه المحاضرة فيما يأتي: -
أيها السادة:
أعترف لكم أنني تعرضت لكثير من الحيرة قبل أن أقدم على إلقاء هذه المحاضرة؛ فموضوعها غامض من جهة وشائك من جهة أخرى. غامض لأن العهد الجديد - وإن كان شيئاً نحسه ونعرفه ونلمسه - فإن فلسفته لم تكتب بعد ولم تؤلف فيه الأسفار ولم تصنف له الكتب، وأنا - كغيري من الرجال الجامعيين - رجل ينبغي عليه أن يقرأ وأن يرجع إلى الكتب وأن يحيط بالموضوع قبل أن يهم بالحديث أو الكتابة.
وهو شائك لأنه قد ينتهي إلى مواطن لا يؤمن فيها الزلل؛ فأحاديث العهد الجديد - كأحاديث العهد القديم - إذا اتصلت بالسياسة فربما جرت إلى الزلل أو إلى ما هو أكثر من الزلل!
ولكنني اعتمدت على الله - الذي أعتمد عليه دائماً في كل أمر - وجئت للتحدث إليكم وأمري وأمركم إلى الله!
وأول ما ينبغي أن نلاحظه هو حال الأدب قبل العهد الجديد، كيف كان؟ ومم كان يشكو؟ وبماذا كان الأدباء يضيقون؟ والملاحظة اليسيرة تدلنا على أن أول مظهر من مظاهر الأدب قبل أن تشب نار الثورة إنما هو (الخوف) الذي كان يملك على الأدباء أمرهم ويضطرهم إلى كثير من الجهد والحيلة والمناورة والمداورة ليقولوا - ما يريدون أن يقولوه - دون أن يتعرضوا لبطش السلطان وتضييق الرقابة، سواء أكانت هذه الرقابة سافرة عند قيام الأحكام العرفية أو مستخفية كتلك التي كانت تفرضها (النيابة) حين تكون الأحكام العرفية نائمة!
ولا أدري هل كنتم تحسون ذلك الخوف أم لا؟ وإن كان أغلب الظن أنكم كنتم تحسونه