فرغت من عملي، فوضعت القلم، ونهضت عن الكتب ورحت أتمشى، فلقيني زميل فسألني:
(كيف ترى الخبر الفلاني؟)
قلت:(عظيم. وقد جعلته موضوع مقالي اليوم)
قال:(أنا جئت به)
قلت:(أهنئك. فمن أعطاكه؟)
قال:(قد والله سرقته!)
فضحكت وقلت:(اللص الشريف!)
وهممت بالانصراف عنه، بعد أن أثنيت عليه بالذي هو أهله. فقال:(بودي أن أعرف رأي الوزير فيما صنعتُ. وما أظن إلا أنه مغيظ محنق)
فقلت:(إن الخبر للنشر على كل حال، والخلاف بينك وبين الوزير على موعد النشر، وليس هذا الخلاف بالذي يثير الغضب)
وأقبل في هذه اللحظة زميل آخر فألقيت إليه خلاصة الحديث وقلت:
إن الجريمة ليست في ارتكابها، بل في افتضاحها. ونحن اليوم نحرم السرقة، وتقول قوانينها إنها محظورة، وإن عقابها كيت وكيت، ولكن (ليكرغ) في إسبارطة القديمة كان يذهب مذهباً آخر فيقول بأن لك أن تسرق على ألا ينكشف أمرك، فإذا انكشف كان عقابك صارماً. والنتيجة واحدة، فان السارق الذي يستطيع أن يستر فعلته لا يصيبه شيء، وما يعاقب إلا الذي يعجز عن إخفاء ما صنع، ويثبت عليه ارتكاب الفعل
ووجه آخر للمسألة: زميلنا هذا قد سرق شيئاً - لم يسرق خبزاً ليأكل، ولا مالاً لينفق على نفسه وعلى عياله، أو ليوسع رزقه، ولكنه مع ذلك سرق شيئاً في سبيل رزقه، فإن رزقه يتطلب منه أن يوافي الجريدة بطائفة صالحة من الأخبار التي تعني القراء، وصاحب الجريدة لا يكلفه السرقة، ولو فعل لكان هذا منه شططاً غير مقبول، وأمراً لا يطاع، ولكن الزميل مع ذلك رأى أن قيامه بواجبه يبيح له استقاء الأخبار بهذه الطريقة العوجاء، وهو -