للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[اليمامتان]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

جاء في تاريخ الواقدي (أن (المقوقس) عظيم القبط في مصر زوج ابنته (أرمانوسة) من (قسطنطين بن هرقل) وجهزها بأموالها وحشمها لتسير إليه، حتى يبنى عليها في مدينة قيسارية (سورية) فخرجت إلى بلبيس وأقامت بها. . وجاء عمرو بن العاص إلى بلبيس فحاصرها حصارا شديدا وقاتل من بها، وقتل منهم زهاء ألف فارس، وانهزم من بقى إلى المقوقس، وأخذت أرمانوسة وجميع مالها، وأخذ كل ما كان للقبط في بلبيس. فأجب عمرو ملاطفة المقوقس، فسير إليه ابنته مكرمة في جميع مالها، (مع قيس بن أبي العاص السهمي)؛ فسر بقدومها. . .)

هذا ما أثبته الواقدي في روايته، ولم يكن معنيا إلا بأخبار المغازي والفتوح، فكان يقتصر عليها في الرواية؛ أما ما أغفله فهو ما نقصه نحن:

كانت لأرمانوسة وصيفة مولدة تسمى (مارية)، ذات جمال يوناني أتمته مصر ومسحته بسحرها، فزاد جمالها على أن يكون مصريا، ونقص الجمال اليوناني أن يكونه. ولمصر طبيعة خاصة في الحسن؛ فهي قد تهمل شيئا في جمال نسائها أو تشعث منه، وقد لا توفيه جهد محاسنها الرائعة؛ ولكن متى نشأ فيها جمال ينزع إلى أصل أجنبي، أفرغت فيه سحرها إفراغا، وأبت إلا أن تكون الغالبة عليه، وجعلته آيتها في المقابلة بينه وبين الطابع المصري، وبين أصله في طبيعة أرضه كائنة ما كانت؛ تغار على سحرها أن يكون إلا الأعلى

وكانت مارية هذه مسيحية قوية الدين والعقل، اتخذها المقوقس كنيسة حية لابنته، وهو كان واليا وبطريريكا على مصر من قبل هرقل؛ وكان من عجائب صنع الله أن الفتح الإسلامي جاء في عهده، فجعل الله قلب هذا الرجل مفتاح القفل القبطي، فلم تكن أبوابهم تدافع إلا بمقدار ما تدفع، تقاتل شيئا من قتال غير كبير، أما الأبواب الرومية فبقيت مستغلقة حصينة لا تذعن إلا للتحطيم، ووراءها نحو مائة ألف رومي يقاتلون المعجزة الإسلامية التي جاءتهم من بلاد العرب أول ما جاءت في أربعة آلاف رجل، ثم لم يزيدوا آخر ما زادوا على أثنى عشر ألفا. كان الروم مائة ألف مقاتل بأسلحتهم ولم تكن المدافع معروفة، ولكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>