للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جناية أحمد أمين على الأدب العربي]

للدكتور زكي مبارك

- ٢ -

تعود الناس أن يسألوا: (ما الذي بين فلان وفلان؟) حين يرون غبار المعارك الأدبية؛ وقلَّ في الناس من يتصور أن تقوم معركة أدبية في سبيل الحق بين صديقين متصافيين كالذي أصنع اليوم في الهجوم على الأستاذ أحمد أمين

والواقع أن ذلك الفهم لأسباب المعارك الأدبية هو صورة بشعة من ضعف الأخلاق عند من يتوهمون أن الأدباء لا يهجم بعضهم على بعض إلا طلباً لشفاء المكتوم من أمراض الحقد والبغضاء. . .

فما الذي بيني وبين الأستاذ أحمد أمين حتى يصح أن أهجم عليه هذا الهجوم العنيف؟

أنا لا أذكر أبداً أن هذا الرجل وجَّه إلي إساءة في محضر أو مغيب، وإنما أذكر أنه كان مثال الصديق الوفيّ الأمين في مواطن يستظهر فيها الصديق بالصديق، وتنفع فيها كلمة الإنصاف عند طغيان الأغراض

والواقع أيضاً أن الأستاذ أحمد أمين لم يعان متاعب الحيرة إلا فيما يقع بينه وبيني، فهو يقرأ ما أهجم به عليه من وقت إلى وقت فيضجر ويمتعض، ثم يراني بغتة فيقرأ في وجهي آيات من المودة لا يشوبها خداع ولا رياء، فتأخذه الحيرة والاندهاش

فما معنى ذلك؟

ألا يكون معناه أن لي مبادئ وعقائد أدفع عنها السوء ولو وقع من أعزّ الأصدقاء؟

ولكن ما هي المبادئ والعقائد التي أجاهد من أجلها في هذه الأيام. . .؟

أنا أومن بأن الأدب العربي أدب أصيل، وأعتقد أن من الواجب أن ندعو جميع أبناء العروبة إلى الاعتزاز بذلك الأدب الأصيل لأنه يستحق ذلك لقيمته الذاتية، ولأن الإيمان بأصالته يزيد في قوتنا المعنوية، ويرفع أنفسنا حين ننظر فنرى أن أسلافنا كانوا من المبتكرين في عالم الفكر والبيان

وقد درج الأستاذ أحمد أمين في الأيام الأخيرة على الغض من قيمة الأدب العربي، وكان من السهل أن نتركه يقول ما يشاء لو كان من عامة الأدباء، ولكنه اليوم رجل مسئول: لأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>