للمرأة أثرها الخطير في المجتمع، ولمنزلتها من الارتفاع أو الانحطاط أوثق الصلات بتقدم المجتمع أو تأخره، واطراد رقيه أو ابتداء تدهوره، ولنظرة الرجل إليها ومعاملته إياها أبلغ الدلالة على سمو الأخلاق أو تدليها، فالمرأة هي الأليف الذي يسكن إليه رجل اليوم، والمربي الأول الذي ينشئ رجل الغد؛ فإذا كان ذلك يأوي منها إلى صحبة ممتعة للنفس مغذية الشعور، وكان هذا ينشأ في حجر راعية نيرة حازمة، فقد توفرت للمجتمع أكبر أسباب السعادة والنجاح، أما حيث تحتقر المرأة وتذاد عن نور العلم ازدراء لها واستهانة بوظيفتها، ويساء فهم علاقتها بالرجل حتى لا تحسب تلك العلاقة سوى شهوة تافهة، فذاك مجتمع دوام انحطاطه محتوم، واطراد تدهوره بدهي، إذ لا نجاح لمجتمع تغمط فيه مكانة المرأة، وتغفل وظيفة الأم، وتجهل نعمة التعاون الزوجي.
ولما كان للمرأة هذا الأثر العميق في المجتمع ورقيه وآدابه العامة، كان لها في أدب اللغة أثر بعيد ومكان ظاهر؛ فإلى منزلتها من الرفعة أو الضعة ترجع الصبغة التي ترين على الأدب من وقار وعفاف أو استهتار وفجور، وعلى التغني بجمالها والترنم بحبها يتوفر باب من أهم أبواب الأدب وهو النسيب، وارتفاع شأنها في المجتمع مقرون دائماً بازدهار الأدب، لأن المجتمع الذي يجل المرأة ويتغنى بمحاسنها مجتمع صادق الشعور، عالي النفوس، وبعكس ذلك المجتمع الذي يزدري المرأة ويسخر منها وترين فيه الشهوة لا ينتج علماً ولا أدباً، وارتفاع شأن المرأة في المجتمع مقرون كذلك بمساهمتها في الأدب منشئة وناظمة وناقدة، والأدب لكل هذه الأسباب مرآة صادقة واضحة لمنزلة المرأة في المجتمع، ومنزلة المجتمع من الرقي، وحظه من الأخلاق.
كان للمرأة العربية على العموم في الجاهلية وصدر الإسلام لاسيما نساء السادة والأشراف، منزلة عالية: كانت تشارك الرجل أعمال السلم وتعاونه في إبان الحرب، واشتهرت نساء كثيرات في تاريخ تلك العهود، واحترفن الأعمال كالطب والتدريس، وشاركن في السياسة فتركن أثرهن في سير الحوادث، وزاد الإسلام منزلة المرأة ارتفاعاً وحررها من كثير من