الطبيعة إلف الشاعر الحميم، وتوأم روحه، ومرتع فكره ومتاع بصره، ومهبط وحيه، ومعاهد متاعه وذكرياته، إلى ظلالها يسكن، وبين محاسنها يهيم، وعندها ينفض أوشاب العيش ويطرح أعباءه، ويستريح فكره الذي أنضاه التعب، ونفسه التي أضجرتها معاشرة الناس، وتتهادى إليه عذارى الشعر طائعة، وتسلس إليه شوارد الأفكار مقادها، ويظل يلتفت إلى ماضي أوقاته بين مباهجها بحنين عذب، ويأمل معاودتها بقلب شيق؛ فلا غرو يكون للطبيعة في نفس الشاعر المطبوع مكان أثير، وفي أدب الأمة الراقية منزلة رفيعة.
وقد نالت الطبيعة لدى أدباء الإنجليزية في أغلب عصورها هذه المكانة التي هي بها جديرة: فعكفوا جيلاً بعد جيل وأديباً إثر أديب على وصف مظاهرها وعبادة مفاتنها، وملئوا جانباً كبيراً من نظمهم ونثرهم بأوصاف الوديان اليانعة، والربى الحالية والأمواه الجارية، والأطيار الصادحة والأفلاك الدائبة والغيوث الساجمة، ووصفوا الطبيعة في حالي رضاها وغضبها، وابترادها ودفئها، واكتسائها وعريها.
وتوسلوا للتعبير عن فرط هيامهم بمحاسنها المتجددة بشتى الوسائل: فبثوا أوصافها في رواياتهم الشعرية وقصصهم النثرية، كما فعل شكسبير وهاردي، وطاروا على أجنحة الخيال إلى الوديان السحرية، والغابات المجهولة، والشواطئ النائية، يرصعون كل أولئك ببدائع الأوصاف ونقثات العواطف، وعبادة الجمال الطبيعي، متخذين مسرحاً لكل ذلك خرافات الأقدمين كما كان يفعل سبنسر وكولردج وتنيسون وبروننج، أو جنات الفردوس كما فعل ملتون.
ومن أولئك الشعراء من يدينون بخلودهم لأوصافهم الطبيعية الرائعة، وقلما يهتم أحد اليوم لما نظموه في النسيب أو الاجتماع أو السياسة، مثل تنيسون، بل منهم من لم يكد يؤثر عنه قول في غير الطبيعة، أو تخلو قصيدة له من أثرٍ لها، مثل وردزورث. ولا غرو فالطبيعة