للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على ذكر حوادث دمشق]

تاريخ يثور. . .

على ضفاف الوادي، وهضاب فلسطين، ورياض سورية، يثور تاريخ، ويغضب مجد، ويستغيث مظلوم. . .!!

على الوطن الذي ورفت على نيله أول حضارة، والبلدِ الذي هبط على طُوره أول دين، والقُطر الذي انبثقت من ساحله أول ثقافة، تُمتْحن الحرية بمن فرضوا على الملك أول دستور، وتُمْتهن العدالة ممن حملوا للهِ أول كتاب، وتُبتلى الإنسانية بمن أعلنوا للإنسان أول حق. . .!!

على هذه الأقطار الثلاثة التي شع منها السلام والإسلام والخير، يستكلب الطمع، ويشتجر الهوى، وينفجر البغي؛ فالمفاوضات وعيد، والاحتجاجات حديد، والمواعيد مراوغة، كأنما عيِّ المنطق من طول ما مارس العلم! ومات الضمير من كثرة ما دارس الخُلق! وزهق العدل من شدة ما زاول القانون!!

في القاهرة وأورشليم ودمشق، شباب يحمَي على لذع البنادق، ودم يفور على مسِّ الأسنة، وأمل يشرق فيالوجوه الوضيئة، وطموحٌ يومض في العيون الرغيبة، وماضٍ تميز في إبهام الدهر يتمثل في الأذهان الصافية، ومجدٌ تأثَّل في أربعة عشر قرناً يعصف بالنفوس الفتيَّة! فماذا تصنع مُدية اللص في قلب تدرَّع بالأيمان؟ وماذا تبلغ سطوة الباطل من حق تسجَّل في لوح الزمان؟!

يا لله! ألم يَأْن لدعاة المدنية. . . وحماة الحرية. . . ورسل العلم. . أن يروضوا عقولهم على الحقيقة، ويفتحوا عيونهم على الواقع؟! إن هذا الشعب الذي تتحلب أفواههم قَرَما لأكله، لا يزال يعيش في ملك آبائه الفاتحين، ولا يزال مطويَّ الحنايا على العزيمة التي قبض بها من قبل على زمام الدنيا، وشارك في تصريف الأقدار، وأملى إرادته على سجل الزمن! إن حلمه لثقيل، ولكن غضبته مفزعة؛ وإن نومه لطويل، ولكن يقظته مروَّعة! إنه على اختلاف أقطاره لا يزال يحمل في نفسه سر (الجزيرة) التي يعيش فيها الجمل الوقور الصابر، والأسد الهصور المتوثب!!

إن في كبد أوروبا جمرة من العرب منذ غزتها بالدين والمدنية والعلم سفائنُ طارق! ولقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>