انطفأت البراكين ولما تنطفئ هذه الجمرة! أجْلت العرب عن أرضها بالبربرية الهوجاء والتعصب الحاقد والقسوة الجامحة، ثم كتَّبت الكتائب الحليفة وغزتهم في عقر بلادهم باسم الدين المظلوم في عهد (صلاح الدين)، ثم بالعلم المسموم في عصر (عبد الحميد)، ثم بالمدينة المغشوشة في عهد (عصبة الأمم)! فما كان الدين والعلم والتمدن إلا ألفاظاً حُمِلت بالكره على معاني الثأر والاستعمار والغصب! ثم أغروا بنا الجهالة والمجاعة والفوضى، ومضوا في ظلال الأمن، يعقدون من دمائنا الذهب، ويتخذون من لحومنا القوت، حاسبين أننا مخدَّرون بالأباطيل فلا نفيق، مُثْقلون بالتقاليد فلا ننهض؛ ولكن المعدن ياغُلْفَ القلوب كريم! وهذا الذي يعلوه غبار لا صدأ! وهاهي ذي سياسة الإرهاب والاغتصاب تجلوه عن شباب عرفوا كيف يموتون، أكثر مما عرفوا كيف يعيشون!! وهاهم أولاء يمشون على ما بلي من هياكل الشيوخ، كما يمشي المَرحون على ما جف من سفَير الشجر!! إنهم يسرعون الخطى إلى الربيع الباسم والجو الطليق، وفي أسماعهم المرهفة دويُّ لا ينقطع بهذا الهتاف: (لقد فتح آباؤكم ثلاث قارات في ربع قرن، أفتعجزون عن تحرير ثلاثة بلاد في نصف قرن؟!
إن شباب العرب مصريين وسوريين قد أخذوا موثقهم من الدم الشهيد أن يعيشوا أعزة أو يموتوا كرامَا! فلا تَتَحَدَّوا بالعذاب السفيهِ جنساً برمته وتاريخاً بأسره، ولا تعبثوا بالمعاجم التي تعب فيها اللغويون والمجامع فتسموا النهب تنظيماً والقتل تعليماً والغزو صداقة! جربوا الصداقة بمعناها اللغوي الصحيح تَفِرُوا المال والرجال والسمعة، فان هذا الشعب الذي وقعتم في صفوه، وتعبتم من غزوه، ويئستم من خداعه؛ كان له في السياسة العالمية شأن، وفي اللغة الدولية اصطلاح، وفي قيادة الإنسانية محل، ومن إصلاح المجتمع نصيب! فهو يفهم الصداقة، ويَقْدِر المعاونة، ويكبر التضامن، ويعقد صِلاته بالناس على ضوء شريعته وقرآنه!
إن سلام الشرق منوط بسلام العرب؛ وإن السلام والإسلام لفظان مترادفان على معنى واحد؛ وليس من معاني السلام المهانة، ولا من دلالات الإسلام الاستكانة! إنما هما الحياة القائمة على الحرية والإخاء والمساواة، وهي الأقانيم الثلاثة التي رسمتها الثورة على عَلَمكم المثلث!