للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الضريبة الأدبية على الأدباء النابهين]

للأستاذ محمد صادق رستم

كان المذهب الخيالي (رومانتيك) في إبان ازدهاره بفرنسا في الثلث الأول من القرن التاسع عشر حين وضع الفريد دوفيني الكاتب الشاعر مسرحية سماها (شاترثون)، وإنما عنى بهذا الاسم فتى إنجليزياً شاعراً مطبوعاً كان يسكن في غرفة منعزلة عالية بدار تاجر مالي، ويقضي يومه ومعظم ليله في استنزال وحي الشعر السامي، رجاء أن يعرضه للنثر فينال الربحين الأدبي والمادي. فحدث أن طال عليه دلال ذلك الوحي وتجنت عليه القريحة، ومر شهر في إثر الشهر وفي عنقه أجرة الغرفة التي يسكنها، فأوعز التاجر المالي الذي لا يفهم غير لغة النقود والأرقام إلى زوجته أن تنذر الفتى نزيل الدار بوجوب الدفع العاجل وإلا فالمقاضاة والطرد. . . وكان فتانا الشاعر البائس قد ألف الائتناس بطفلي السيدة ربة الدار، وكثيراً ما كان يلاطفهما ويرسم لهما الصور المضحكة المسلية، فأشعرت السيدة العطف على هذا الفتى الأليف، وداخلتها الشفقة عليه فسوفت في إبلاغه إنذار زوجها، وجاءت تدبر له مخرجاً، وتجد له ما يسدد به ما عليه، لذلك الذي لا يعرف عذراً ولا يصبر على حق، ولكن الجدود العواثر رمت بالفتى في طريق هذا الجبار على باب الدار، فاستطال لسان الذهب على الديباجة الرقيقة من الأدب، فكبر الأمر على فتانا (شاترثون)، فلم يجد مخلصاً إلا في الانتحار بالأفيون، ولعله (قبر في صدره القصيد الخالدة)

تلك خلاصة وجيزة للمسرحية، والذي يعنينا منها أن (دوفيني) المؤلف قدم لها يوم طبعها بمقدمة بارعة فرق فيها بين الأديب والكاتب الكبير والشاعر. فذكر أن الأولين كثيراً ما يشقان طريقهما إلى الشهرة فيكفل لهما العمل رغد العيش وميسرة الحال، وقال المؤلف إن مثل هذين الرجلين يستطيعان أن يفهما الجمهور ويفهمهما الجمهور فيسهل عليهما انتزاع الرزق من يد القراء في أي وقت شاءا، أو شاء لهما جري القلم، أما الشاعر فشيء آخر. . .

ومضى دوفيني يصف الشاعر بأنه مخلوق خاص لا يكاد يحسن شيئاً من وسائل طلب العيش في غير دائرة الشعر ويزيد في طينه بلة أنه غريب في وسط الجماهير ندر من يفهمه، وأندر من ذلك من يعرف له قدره. ثم إنه يضن بوقته إلا على التماس الوحي

<<  <  ج:
ص:  >  >>