نشرت مجلة (الأخبار الأدبية)(النوفيل لترير) في عددها الأخير مقالاً للكاتب المستشرق جاستون بوتول عن الحركة العقلية في شمال أفريقية هذه ترجمته:
كلما أوغلنا في التاريخ أدركنا أن تونس أو بعبارة أخرى أن تونس - قرطاجنة المعقدة كانت دائماً عقل أفريقيا الشمالية. وإنه لقدر غريب: قدر هذه المدينة، التي كأنها سارية القارة، والتي هي الحد الفاصل بين شرق البحر الأبيض المتوسط وبين غربه؛ ولقد كانت دائماً طريق الفتوح العظيمة، كما كانت مجمع الطرق التجارية الكبرى؛ وهي أقصى بلد في شمال أفريقية وأقربها إلى أوربا، ولكنها أقربها إلى المشرق أيضاً؛ ثم هي أعرقها في الطابع الأفريقي، لأن السهول الصحراوية التي تفصلها عن البحر في الجهات الأخرى حواجز عالية، تمتد بلا انقطاع إلى تونس؛ وأخيراً هي المدينة التي كانت تلتقي فيها النزعات العقلية وتمتزج من جميع الأنحاء
كانت قرطاجنة في الوقت الذي كانت رومة تصارع فيه ما حولها من الظلمات، قد قامت برسالة عظيمة في المدنية، واكتشف غرب البحر الأبيض والبرتغال وساحل أفريقية الغربي. ثم غدت قرطاجنة بعد الحروب البونيقية المدينة الثانية في العالم الروماني؛ ولما أتمت مراحلها الثلاث أعني البونيقية، والرومانية، ثم النصرانية، دخلت تونس في مرحلتها الإسلامية، وسرعان ما تفوقت على القيروان وغدت مرة أخرى أهم مراكز الحركة العقلية في المغرب. ولم يكسفها قط بهاء فاس المحدث، ولبثت تونس هي المركز الذي تزدهر فيه العلوم والفلسفة العربية لآخر مرة، وكان ابن خلدون، في فجر الأحياء، آخر ثمارها العظيمة
أما اليوم فإن الموقف أكثر تعقداً؛ وعلى رغم ازدهار جامعة الجزائر، ونجاح معهد الدراسات العالية المراكشي في رباط وتقدمه نحو التحول إلى شبه جامعة، فإن تونس تبقى مركز التفكير الإسلامي في شمال أفريقية. ويكفي لتوضيح خطر هذا الدور أن نقول أن المسلمين يبلغون اليوم في المغرب أكثر من اثني عشر مليوناً، ولكن لا توجد بقعة أخرى غير تونس يزداد عددهم فيها نحو خمسين ألفاً كل عام