ويرجع هذا النفوذ إلى عاملين: الأول أنه يوجد في تونس أهم واقدم جامعة عربية، والثاني أنه يوجد بها أكبر عدد من صفوة المسلمين الذين تلقوا الثقافة الفرنسية. وصحف تونس العربية، والصحفيون التونسيون هم الذين يوجهون الحركات السياسية والعقلية في الجزائر ومراكش. ومن تونس تخرج الأزياء، ويخرج القصص والغناء، وفيها تتألف الفرق التمثيلية أو الموسيقية التي تجوس خلال المغرب
ويضاف إلى نفوذ جامعة الزيتونة القديمة، التي تأخذ اليوم بأسباب التجديد، نفوذ (الخلدونية) وهي مركز للدراسات التاريخية والعلمية؛ وقد أسست منذ ثلاثين عاماً على يد بعض التونسيين، وكلية الصادقي، وهي معهد غريب تدرس فيه العلوم الحديثة واللغتان الفرنسية والعربية. وقد عقد في أكتوبر الماضي مؤتمر من الطلبة المسلمين في شمال أفريقية
وفي ذلك ما يوضح الدور الهام الذي تؤديه تونس في المسائل الاجتماعية التي تعرض في شمال أفريقية. ومن العسير أن نحدد نزعات الأجيال الفتية في هذه البلاد؛ ويختلف عدد الشباب المثقف وتوزيعه كثيراً في هذه المناطق؛ وأظهر هذه النزعات وأشدها تعرضاً للخلافات الظاهرة هي النزعة السياسية، ولكن هذه الخلافات ترجع دائماً إلى ظروف السياسة المحلية، فهي مؤقتة في الواقع، فمثلاً كان التونسيون يشكون من إقصائهم عن بعض الإدارات، فلما تقرر منذ شهر أن يسمح لهم بدخولها انتهت هذه الشكوى
أما النتائج الثابتة، فهي نتائج التطور العقلي؛ وهي أهمها أيضاً، لأنها تتعلق بالمستقبل، ولا تتقدم إلا ببطء، ولا يمكن تعديلها أو توجيهها بقوانين المشرع. وقد يستطيع المشرع أن ينتهز بعض الفرص السانحة في حرص وحذر، ولكن الاختيار النهائي يبقى لأصحاب الشأن أنفسهم
ويوجد في فاس كما يوجد في الجزائر وقسطنطينة شباب يتلمس ويتساءل. وقد عفت التقاليد التي كانت تسمح للشباب بأن يندمجوا في الحياة بسهولة، وأضحت لا تلائم الحياة الحديثة، وعرضت حاجات جديدة ومطالب جديدة؛ ولكن الشعار الجديد هو أن تبحث وتجد. ويتجه معظم الشباب على الأخص بأنظارهم إلى تونس، لأنهم يعرفون أنهم هنالك يتكونون شيئاً فشيئاً بين الأمل والتثبيط