للأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرزاق. أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية
الآداب
- ٣ -
وكان الشافعي في أول أمره يطلب الشعر وأيام الناس والأدب. قال الشافعي:(وخرجت من مكة، يعني بعد أن بلغ قال: فلزمت هذيلا بالبادية أتعلم كلامها وآخذ اللغة وكانت أفصح العرب) ابن حجر ص٥٠.
ثم توجه الشافعي إلى الفقه يدرسه وقد اختلفت الروايات في سبب توجهه إلى الفقه أو تكاد ترجع كلها إلى نصح الناصحين له: إن يصرف جهده وذكاءه في علم تكمل به سيادته من غير خطر على دينه ولم يكن يومئذ إلا الفقه سبيلا إلى ذلك
ويعبر عن روح الوقت من تلك الناحية: ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي يوسف قال: قال أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها فقيل لي: تعلّم القرآن، فقلت: إذا تعلمت القرآن وحفظته فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد ويقرأ عليك الصبيان والأحداث ثم لا تلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو يساويك في الحفظ فتذهب رياستك، قلت: فان سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني، قالوا: إذا كبرت وضعفت حدثت واجتمع عليك الأحداث والصبيان ثم لم تأمن أن تغلط فيرموك بالكذب فيصير عاراً عليك في عقبك، فقلت لا حاجة لي في هذا، ثم قلت: أتعلّم النحو، فقلت: إذا تعلمت النحو والعربية ما يكون آخر أمري؟ قالوا تقعد معلما واكثر رزقك ديناران إلى الثلاثة، قلت وهذا لا عاقبة له، قلت: فان نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني، ما يكون من أمري؟ قالوا: تمدح هذا فيهب لك ويحملك على دابة أو يخلع عليك خلعة، وأن حرمك هجوته فصرت تقذف المحصنات، فقلت: لا حاجة لي في هذا قلت: فأن نظرت في الكلام فما يكون آخره؟ قالوا لا يسلم من نظر في الكلام من شنعات الكلام فيرمى بالزندقة، فأما أن يؤخذ فيقتل، وأما بسلم فيكون مذموما، قلت: فأن تعلمت الفقه؟ قالوا: تسأل وتفتي الناس وتطلب للقضاء وإن كنت شابا، قلت: ليس في العلوم شيء أنفع من هذا، فلزمت الفقه وتعلمته) - تبييض الصحيفة - ص١١و١٢