جاء بغداد يبحث عن المتعة لنفس حرمت المتع منذ عهد بعيد، جاء بغداد ينشد فيها حياة جديدة، حياة ممتعة، بعد أن مل الحياة على وتيرة واحدة، كأنها اسطوانة واحدة، تتكرر كلما أشرقت الشمس وغابت!
وكانت ليلته تلك في الفندق، أول ليله له ينام فيها وحيدا، غريبا، فما سبق أن ألف حياة الوحدة والغربة.
ودقت الساعة الكبيرة المائلة أمامه عشر دقات، فوجد نفسه ضجرا، قلقا، لا يدري أين يقضي سواد هذه الليلة، وقد اعتزم من قبل ألا يترك لحظة واحدة من أيام إجازته القلائل تذهب مأسوفا عليها!. . . وفجأة تذكر أن فتيات (ملهى الأنوار) ينزلن هذا الفندق، فتساءل بينه وبين نفسه، لم لا يذهب إلى (ملهى الأنوار) ويتعرف على جاراته الحسان؟. . . لم لا يمضي هذه الليلة بين كأس ووتر؟!. . .
وفي طرف منعزل من حديقة الملهى، كان يشرب (بيرة) مثلجة، ويسمع نغما عابثا، ويتطلع بعينيين جائعتين إلى أربع وعشرين ساقا، تلمع كالسيوف الصقيلة، تحت أشعة المصابيح الصغيرة الملونة!. . .
ولفتت نظره واحدة منهن، كانت تشرب الكؤوس متتابعة، وتتدلل بإفراط، قد كشفت عن صدرها وظهرها في إسراف، فظل يرمقها في مجلسه، لا يكاد يحول عينيه عن جسدها العاري، أو ينقل نظراته عن صدرها العاجي، وكم اشتاق إلى صدرها العريض ليربح عليه رأسه المتعب. . .
كان من عباد الجمال الغربي، يثيره منه الشعر الأشقر كأنه سلاسل من ذهب، والعيون التي كأنها بحار من لازورد، والجسد الرشيق كأنه رمح صقيل، والنهود النافرة كأنها تتحدى السماء في عجرفة وكبرياء!
وكان صدره يتمزق آسى وحسرة حين وجد هذه الغانية اللعوب تغازل الشيوخ وقد عرفت في محافظهم انتفاخا مغريا، وتعزف عن الشباب وقد أدركت أنهم لا يملكون في جيوبهم غير مناديلهم المعطرة!. . . أحس أنه يشتهي هذه الغانية. . . ولكن دنانيره الهزيلة أضعف