للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أن تستطيع الوصول به إليها، فأسرع يغادر الملهى، ليدفن رأسه بين طيات وسادته، ويصم أذنيه عن صدى أغاني الراقصات الهنغاريات المثيرة، ويغمض عينيه عن طيف (جانيت) الفتاة البوهيمية اللعوب التي أبث ألا أن تظل ماثلة أمام عينيه بدلالها، وجسدها المملوء فتنة، المتفجر حيوية!

وأوشك أن يتغلب على الشيطان الذي يحاربه، أوشك أن يصرع الوحش الهائل الذي هاج في أعماقه ويستسلم لنوم عميق هادئ، لولا أن رن جرس الباب رنينا متصلا، مزعجا، إطار النوم الذي كان يغالب خفنيه، فاعتدل يحاول أن يتبين الوقت في ساعة يده الفسفورية، فألقى عقارب الساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل.

وتعالت عليه من أسفل السلم ضحكات ناعمة رن صداها في أذني المرهفتين، فتذكر فتيات الملهى، ثم ما لبث أن رأى (جانيت) تلك الفتاة التي أثارته بأنوثتها الحية وجسدها المغري وهي تدلف بخفة ورشاقة إلى غرفة التلفون المقابلة لغرفته، وتتحدث بلغة إنكليزية ركيكة إلى خادم الملهى تسأله أن يرسل إليها زجاجات من (البيرة) المثلجة! فأدرك من التواء الكلمات في فمها، وتعثر الألفاظ على شفتيها أنها ثملة، وأنها فقدت السيطرة على أعصابها!

ولأول مرة رآها من قريب، فراحت عيناه تلتهمان لحمها العاري المتورد وقد انحسر عنه الثوب، ولكنه استطاع أن يقاوم ثورته وتشبث بسريره بقوة وظل صدره يرتفع وينخفض بشدة، وأحس بقلبه يخفق في عنف!. . . لقد أوشك أن يجن في اشتهاء هذه المرأة، وكاد صدره يتمزق حسرة؛ لأنه لا يستطيع إرواء غليله منها!. . . لأول مرة شعر أنه يكره من أعماق قلبه أغنياء الناس، يكرههم، ويحسدهم، مع أنه عاش حياته قانعا بنصيبه من النعمة، يحب الناس وتحبه الناس!

ولم يطل الصمت بعد أن أوت كل فتاة إلى غرفتها وأسلمت نفسها لأحضان فراشها وهي تلهث كالحيوان المتعب، فقد رن جرس الباب مرة أخرى ذلك الرنين الطويل المزعج وأقتحم الفندق ثلاثة من أبناء الذوات، قد أفقدتهم الخمر شعورهم، وفيما هم يجادلون خادم الفندق جدالا سخيفا، مملاً، إذا بتلك الفتاة تخرج من غرفتها عارية إلا من ورقة التوت التي استترت بها جواء، فما كادت عيون الشباب السكارى تقع على محاسنها المكشوفة، حتى ثارت في عروقهم وحوش الشهوة، فتشبثوا بها يريدونها لمتعتهم سواد تلك الليلة، ولكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>