للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفتاة أبت، وحاولت أن تتملص من الأذرع الفولاذية، ولكنها لم تستطيع - فالفريسة قد وقعت بين أنياب الوحوش الكاسرة!. . . غير أن (جانيت) لم تشأ أن تستسلم لهم، كالشاة الذليلة إلى المجزرة - فثارت فيها تلك اللبوءة الجاثمة في أعماقها، وراحت تسمى للخلاص بكل قوتها، وما كان منها وقد كادت تخور قواها، إلا أن تصوب من كفها الرخصة، صفعة قوية إلى أشدهم قسوة، تكفي لإرهاب الوحوش، وإبعادهم عنها، ولكن هذه الصفعة التي تناهى رنينها إلى غرفة الفتى - قد أثارت نشوة الشاب المصفوع، وأحس بأن كرامته قد أذلتها امرأة - يستطيع أحقر الرجال أن يذل كرامتها، ويشتري شرفها وعزتها، فتناول الفتاة بالضرب المبرح حتى أدمى جسدها.

وسمع الفتى صوت (جانيت) وهي تستغيث بصوت باك يقطع نياط القلب، فقفز من فراشه وقد ثارت حميته، وخف لنجدة المرأة المستغيثة. . . وحين لحق بها، وجدها مرفوعة في الهواء، على ذراعي أحد الشباب السكارى، يريد أن يقذف بها من حالق!

وأنقذ الفتاة من موت محتم. . . ثم عاد إليها ليجدها وقد أسلمت نفسها لبكاء مر يفتت الكبد ويذيب الحجر!

لم تكن الفتاة تبكي من جراحها الدامية أو من ألم الضربات المبرحة، وإنما كانت تبكي حظها، تبكي طهرها، تبكي عفافها. . . كانت تبكي لأنها فقدت الطهر والعفاف، وصارت واحدة من بنات الليل، تفرش عفافها تحت أقدام اللذة المنهومة وتعرض جسدها للمذلة والمهانة!. . . كانت تبكي في مرارة مؤلمة وتنشج في حرقة وحرارة؛ لأنها امرأة ضعيفة تعجز عن الانتقام لكرامتها والدفاع عن نفسها. . . كانت تبكي لأنها عند الناس بائعة هوى رخيصة يستطيع كل من يملك ثمنها أن يؤجرها لمتعته وهواه!. . . نعم، كانت تبكي لأنها في هذا البلد امرأة غريبة ليس لها من يحميها وقد حرمتها الحرب زوجها وطوح بها القدر الساخر إلى عالم داعر فاجر تتوائب في ساحته ذئاب ضارية وتتحفز لتقطع عنقها وتفترس جسدها!. . . جرح الرصاص زوجها، واختطف الموت طفلها - وساقها القدر من بلد إلى بلد وتنقل بها من ملهى إلى ملهى، تبيع لطلاب المتعة، وتشتري لنفسها الحياة!

كانت تشكو للفتى ظلم الحياة وقسوة القدر، وتمزج حديثها بالدموع وتنفث من أعماق صدرها الزفرات، وهو جالس أمامها وقد فاض قلبه بالعطف والحنان، ولولا الحياء لمزج

<<  <  ج:
ص:  >  >>