للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دموعه بدموعها، كان رقيق القلب، سريع التأثر إلى حد بعيد! وسألته متوسلة أن يتحدث إلى خادم الملهى يستحثه على إرسال زجاجات (البيرة) فقد اعتادت أن تذيب همومها في كؤوس الخمرة، ولكن الفتى أشفق عليها من كثرة ما شربت تلك الليلة، فأبى عليها أن تشرب، وأقنعها بان تذهب إلى فراشها وتحاول أن تنام. . . إن الإنسان لا ينسى همومه إلا إذا نام أو مات!. . . غير أن الفتاة ألحت وتوسلت وكادت تقبل يديه من أجل كأس واحدة تخفف بها بعض أساها، ولكنه سألها في تأثر بالغ وهو يدفع بها إلى مخدعها في رفق - ولكنك ستقتلين نفسك يا سيدتي. . . أنك تنتحرين! فرفعت إليه عينين ذابلتين بللتهما الدموع، وأجابته في صوت خافت ذبيح النبرات - يا ليتني يا سيدي استطعت. . . ليتني وضعت حدا لهذه الحياة الذليلة، حياة العار والمذلة!

وعاد إلى غرفته. . .

كانت الساعة تعلن النصف بعد الرابعة حين سمع الفتى صوت بابها وهو يفتح، ويرى ظلها أمامه على الحائط المقابل لغرفته وهي تضع كأسا على شفتيها، ودق قلبه دقات مضطربة وهو يسمعها تبكي بكاء مخنوقا وتسعل سعالا مكتوما، فغادر غرفته ليستطلع أمرها، وكم كان ارتياعه شديدا (حين رآها تتجرع كأسا من حامض الفينيك كان خادم الفندق يعقم به الغرف والممرات)!

وأسرع إليها كالمجنون ينتزع الكأس من بين شفتيها انتزاعا، ثم دس سبابته في فمها ليرغمها على إخراج ما أدخلت في جوفها من سم زعاف!

كانت الفتاة بين يديه كالخرقة البالية. . .

كانت كالغصن الذابل المقطوع من شجرة. . .

كانت جسدا متخاذلا جامد الأطراف. . .

أن هذه النائمة على صدره المستسلمة لذراعيه - العارية بين يديه هي نفسها تلك المرأة التي اشتهى أن يمد يده إلى لحمها العاري ليتحسس نعومته وطراوته. . . أنها نفسها تلك المرأة التي أشتاق منذ ساعات إلى صدرها العريض ليريح عليه رأسه المتعب. . . ولكنه بحث عن تلك الرغبات في نفسه فلم يجد لها أثراً. . . كانت قد ماتت في صدره كل الرغبات ولم تعد تختلج أو تتحرك!. . . أن ذاك الوحش الذي كان قد ثار في صدره بعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>