حينما اضطرمت الحرب الأهلية الأسبانية في أواخر يولية الماضي، لمحنا في حوادثها منذ البداية عوامل معركة دولية خطرة وكنا يومئذ نتلمس القرائن والأدلة لتأييد هذا الرأي، لأن العوامل الدولية التي كانت وراء هذه المأساة لم تكن قد وضحت بعد بصورة جلية، بيد أنه لم تمض عدة أسابيع على ذلك، حتى تكشفت هذه العوامل واضحة، وحتى بدأ إصبع إيطاليا وألمانيا ظاهراً وراء الثورة الأسبانية يذكى ضرامها ويمدها بكل صنوف المعاونة العسكرية والسياسية، وحتى بدت روسيا السوفيتية في جهة أخرى وراء الجبهة الجمهورية الأسبانية تؤيدها بكل ما وسعت وتمدها بالأسلحة والذخائر والفنيين، وحتى بدت إنكلترا وفرنسا أيضاً من وراء الجبهة الجمهورية تمدها بعونها السياسي والأدبي. وآثرت إنجلترا وفرنسا الأخذ بسياسة عدم التدخل في المشكلة الأسبانية ونجحتا في حمل الدول الأخرى أعني إيطاليا وألمانيا وروسيا والبرتغال على إقرار هذه السياسة، وتألفت لجنة عدم التدخل الدولية في لندن. وبينما كانت هذه اللجنة تسير في مباحثها وقراراتها ببطء وتسويف ظاهرين كانت المعركة الدولية في أسبانيا تتفاقم يوماً بعد يوم ويتوالى نزول القوات الإيطالية والألمانية في الثغور الأسبانية لتشد أزر الجبهة الثورية، وتتوالى الإمدادات الروسية لتشد أزر الجبهة الجمهورية ويتسع تدخل إيطاليا وألمانيا في أسبانيا نفسها، وفي جزر البليار ومراكش الأسبانية بشكل يزعج فرنسا وإنكلترا. عندئذ خطت السياسة البريطانية خطوة أخرى واستطاعت بعد مفاوضات ومباحثات طويلة أن تحمل الدول الممثلة في لجنة عدم التدخل على إقرار مشروع دولي لرقابة الشواطئ والحدود الأسبانية وذلك لمنع الإمدادات الأجنبية عن الفريقين المتحاربين، وتطبيق سياسة عدم التدخل بطريقة فعلية، وترك المشكلة الأسبانية يحلها الشعب الأسباني وحده، وبذلك تحصر الحرب في أسبانيا، ويحمى السلام الدولي من عواقبها.
وننفذ مشروع الرقابة الدولية منذ عدة أسابيع. واشتركت فيه إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والبرتغال، وحصرت الشواطئ والحدود الأسبانية على يد السفن الدولية والمراقبين