للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القَصَصُ

الكذبة

للقصصي الروسي بانتليمون رومانوف

كانت الغرفة مبعثرة الأثاث؛ وكان هو جالسا إلى مكتب قد انتثرت عليه الصحف والكتب في غير نظام ولا ترتيب، وكان ممسكاً بيده غطاء محبرة قد كان رفعه عنها بحركة غير إرادية، وبصره مثبت في نقطة أمامه يحدق فيها.

وكان من عادته أن يجد صاحبته بانتظاره مشتاقة في صبر، ولكنه لم يجدها على عادتها في الدار. . . لقد قالت له فتاة الجيران إن (ماريا سير جيفانا) خرجت بغير أن تترك ورائها خبراً.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي لم تنتظره فيها منذ أن تعارفا حتى اليوم. لقد كان أخبرها بالتلفون أنه ربما استطاع لقياها اليوم ساعة واحدة، ولكنه استطاع أن يتحرر بغتة طوال هذا المساء، إذ كانت زوجه قد خرجت لزيارة بعض الأصدقاء.

ومضت الساعة الحادية عشر وتلتها الثانية عشر وهو ما يزال منتظراً. وأخيرا أزفت الساعة الأولى ولما تأت! وكان كلما طال انتظاره تشتد فيه الرغبة في البقاء حتى تعود فيعرف أين كانت.

وأخيراً وقبيل الساعة الثانية دق جرس الباب ففتح لها فطرق أذنيه وقع أقدامها؛ وما هي إلا أن فتحت الباب ودخلت فلم يكن له متسع من وقت يصلح به هيئة وجهه للقياها.

كان الثلج قد غطى كمي معطفها وكتفيه، وكان خداها قد توردا من لفح الرياح المحملة بالثلج، وعيناها السوداوان مشرقتين بوميض من الغضب والهياج. كان أول من ابتدرته به من الكلام قولها:

- أهلاً بك، أنت هنا؟

وكان في صوتها نغمة فرح ودهش بينه التكلف. ثم استأنفت قائلة:

- ولكنك قلت إنك لن تستطيع المجيء!

وكانت تقول ذلك وهي تلقي على الغرفة نظرة فاحصة، فأجابها:

- كلا، لقد قلت إني ربما جئت ولكني لم أكن واثقاً تماماً من هذا. قال هذا وهو يعيد غطاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>