يختلف الأزهريون في آرائهم كما يختلف سائر الناس. واختلاف الرأي أمر لابد منه في قضايا العلم والبحث ولكن الظاهرة الغريبة التي أصبحت شأنا من شئون الأزهر الخاصة، وعلامة من علاماته المميزة، هي التفاوت البعيد في النظر إلى الأشياء والحكم عليها، مع أن القوم يشربون من معين واحد، ويصدرون عن ثقافة ما ترى في أصولها من تفاوت: يرى الرجل منهم أو من غيرهم رأياً فيعلنه للناس فإذا أهل الأزهر فيه فريقا يختصمون: هذا يرفعه إلى السماء، ويصفه بأنه رأى عظيم يرجى منه الصلاح ويرتقب فيه الخير، وذاك يخفضه إلى الأرض ويراه شراً مستطيراً وفساداً يجب أن يوقي الناس خطره ويجنبوا ما فيه من وبال! ولم يغب عن القراء ما كان من أمر جماعة كبار العلماء في (فتوى الأربعاء) ثم في (برنامج الإصلاح). وقد نشر عالم فاضل في (الرسالة) بحثا جيداً عن (شخصيات الرسول) فوقف الأزهريون منه موقفين متناقضين: قالت طائفة منهم: لم يأت بجديد؛ وقالت طائفة: إنه قال بما لم يقله أحد من قبله! ولو اقتصروا على هذا الخلاف في الشكل لهان الأمر، ولكنهم اختلفوا أيضاً في الموضوع اختلافاً بعيداً، فمنهم من رآه فتحاً في الدين عظيما، ومنهم من رآه شراً مستطيراً، وناراً توشك أن تلتهم الأخضر واليابس!
والأزهريون قوم مؤمنون، والمؤمن سريع الغضب، سريع الر ضا، ولذلك غضبوا على الأستاذ الإمام محمد عبده فرموه بالكفر والإلحاد، ثم رضوا عنه فهو الآن من الأئمة المصلحين. والأستاذ الأكبر المراغي كان خارجاً على الدين وهو رئيس للمحكمة الشرعية العليا، ثم عاد إلى الدين فجأة بعد توليه مشيخة الأزهر! والزيات، وطه حسين، والعقاد، وشلتوت، والزنكلوني، ومبارك، وهيكل، وغيرهم قد ذاقوا من ذلك ما ذاقوا. ولست أدري: أفي الأزهر الآن مشَّرحون لهذا الغضب؟