للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب والفن في أسبوع]

الصورة الجديدة للأدب:

هذا عنوان المحاضرة التي ألقاها الدكتور طه حسين بك مساء الجمعة برابطة خريجي جامعات فرنسا وسويسرا وبلجيكا. وقد بدأ الدكتور بأن للأديب صوراً متعددة لا صورة واحدة، وأن المقصود بهذه المحاضرة على وجه الدقة هو التصور الجديد للأدب، وهو يختلف اشد الاختلاف بحسب العصور والبيئات. فقد كنا نقول منذ زمن قريب: الأدب مرآة الحياة، والأديب صورة عصره. فنزهي بذلك ونعده غاية ما يصل إليه الأديب، ولكننا الآن لا نطمئن إليه ولا ترضى به، لا نرضي بأن يكون الأدب صورة فحسب بل نطالبه إلى ذلك بشيء آخر، ثم قال إن الصلة بين الأديب وقرائه مبنية على حرية التعبير عما يريد ليؤثر بهذه الحرية في قارئه. وإننا لنسأل الأديب: لم تكتب؟ فيجيب في تواضع: أكتب لنفسي، أو يقول في كبرياء وزهو: أكتب للأجيال القادمة. وربما قال: أكتب للمثقفين، وهو على كل حال إنما يكتب ليقرأ وليجد صداه. واستعرض الدكتور العلاقة بين الأديب ومستهلكي أدبه، من العصور القديمة إلى هذا العصر فبين تطوراتها المتشابهة في الأدب الفرنسي والأدب العربي من حيث أن الأديب كان في كل منهما يخاطب طبقة خاصة محدودة أخذت تتسع وتكثر على ممر الأزمان، وإن كانت قد وقفت في البيئة العربية عندما أغار عليها المغيرون من خارجها، وظلت في جمودها إلى العصر الحديث، وبين أن الأدب انتقل عند بزوغ شمس الإسلام ونزول القرآن، وفي الثورة الفرنسية، من مجرد تصويره للحياة إلى الجمع بين هذا التصوير وتوجيه الناس إلى مثل عليا.

وانتهى الدكتور من كل ذلك إلى أن الأديب في هذا العصر وقد كثر قراؤه بانتشار التعليم، لا ينبغي له أن يقتصر على الحرية في التعبير والتصوير، بل عليه أن يشعر إلى جانبها بالتبعات والواجبات، فهو يكتب لجميع الناس وفيهم من يفهم ما يريد، ومن يفهم بعض ما يريد، ومن يفهم غير ما يريد، فيجب عليه أن يسهل أدبه وييسره ليكون واضحاً مفهوماً للجميع، والمجتمع الحديث لا يقنع منه أن يرى نفسه في مرآته بل يتطلب منه أن ينزل من برجه العاجي ليعيش مع الناس في بؤسهم ونعيمهم فيصوره البؤس لتغييره والخلاص منه، والنعيم للوصول إلى أصفى منه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>