وأما أسباب عزله فتلخص بما يأتي: قال الرئيس أبو الحسن هلال: وفي شهر ربيع الأول سخط عضد الدولة على القاضي أبي علي المحسن بن علي التنوخي والزم منزله وصُرف عما كان يتقلده. وكان السبب في ذلك ما حدثني به أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال حدثني أبو علي والدي قال: كنت بهمذان مع الملك عضد الدولة فاتفق أن مضيت يوماً إلى أبي بكر بن شاهويه رسول القرامطة والمتوسط بين عضد الدولة وبينهم، وكان له صديقاً ومعي أبو علي الهائم وجلسنا نتحدث، وقعد أبو علي على باب خركاه كنا فيه وقدم إليه ما يأكله، فقال لي: اجعل أيها القاضي في نفسك المقام في هذه الشتوة في هذا البلد. فقلت لِمَ؟ فقال إن الملك مدبّر القبض على الصاحب أبي القاسم بن عبّاد، وكان قد ورد إلي حضرته بهمذان؛ وإذا كان كذلك تشاغل بما تتطاول معه الأيام. وانصرفت من عنده؛ فقال أبو علي الهائم قد سمعت ما كنتما فيه وهذا أمر ينبغي أن تطويه ولا تخرج به إلى أحد ولا سيما إلى أبي الفضل بن الشيرازي. فقلت أفعل، ونزلت إلى خيمتي، وجاءني من كانت له عادة جارية بملازمتي ومواصلتي ومواكلتي ومشاربتي وفيهم أبو الفضل بن أحمد الشيرازي، فقال لي: أيها القاضي أنت مشغول القلب فما الذي حدث؟ فاسترسلت على انس كان بيننا وقلت أما علمت أن الملك مقيم وقد عمل على كذا في أمر الصاحب وهذا دليل على تطاول السنة. فلم يتمالك أن أنصرف واستدعي ركابياً من ركابتي وقال له: أين كنتم اليوم؟ فقال عند أبي بكر بن شاهويه. قال: وما صنعتم؟ قال: لا أدري إلا أن القاضي أطال عنده الجلوس وانصرف إلى خيمته عنه ولم يمض إلى غيره. فكتب إلى عضد الدولة رقعة يقول فيها: كنت عند القاضي أبي علي التنوخي فقال كذا وكذا وذكر أنه قد عرفه من حيث لا يشك فيه وعرفت أنه كان عند أبي بكر ابن شاهويه وربما كان لهذا الحديث أصل؛ وإذا شاع الخير به وأظهر السر فيه فسد ما دُبّرَ في معناه. فلما وقف عضد الدولة على الرقعة وجم وجوماً شديداً وقام من سماط كان قد عمله في ذلك اليوم على منابت الزعفران للديلم مغيظاً، واستدعاني وقال لي: بلغني أنك قلت كذا وكذا حاكياً عن أبي بكر بن شاهوية فما