للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي جرى بينكما في ذلك؟ فقلت لم أقل من ذلك شيئاً، فجمع بيني وبين أبي الفضل بن أبي أحمد وواقفني وأنكرته، وراجعني وكذبته؛ وأحضر أبو بكر بن شاهويه وسئل عن الحكاية، فقال: ما اعرفها، ولا جرى بيني وبين القاضي قول في معناها. وثقل على أبي بكر هذه المواقفة وقال: ما نعامل الأضياف بهذه المعاملة. وسئل أبو علي الهائم عما سمعه فقال: كنت خارج الحركة، وكنت مشغولاً بالأكل وما وقفت على ما كانا فيه. فمد وضرب مائتي مقرعة؛ وأقيم فنفض ثيابه. وخرج أبو عبد الله سعدان - وكان لي محباًّ - فقال لي: الملك يقول لك: ألم تكن صغيراً فكبرناك، ومتأخراً فقدمناك، وخاملاً فنبهنا عليك، ومقتراً فأحسنا إليك؟ فما بالك جحدت نعمتنا وسعيت في الفساد على دولتنا؟ قلت: أما اصطناع الملك لي فأنا معترف به، وأما الفساد على دولته فما عملت أنني فعلته! وجلست مكاني طويلاً، وعندي أنني مقبوض علَّي، تم حملت نفسي على أن أقوم واسبر الأمر، وقمت وخرجت من الخيمة، فدعا البوابون دابتي على العادة، ورجعت إلى خيمتي منكسر النفس منكسف البال؛ فصار الوقت الذي أدعي فيه للخدمة، فجاءني رسول ابن الحلاج على الرسم، وحضرت المجلس فلم يرفع الملك إلي طرفاً، ولا لوي إلي وجهاً؛ ولم يزل الحال على ذلك خمسة وأربعين يوماً، ثم استدعاني وهو في خركاه وبين يديه أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف، وعلى رأسه أبو الثناء شكرٌ الخادم فقال: ويلك! أصدقني عما حكاه أبو الفضل بن أحمد؛ فقلت كذبٌ منه؛ ولو ذكرت لمولانا ما يقوله لما أقاله العثرة؛ فقال: أو مِنْ حقوقي عليكم أن تسيئوا غيبتي وتتشاغلوا بذكري؟ فقلت: أما حقوق النعمة فظاهرة، وأما حديثك فنحن نتفاوضه دائماً. . . ثم قال عضد الدولة: عرَّفنا ما قاله أبو الفضل. قلت: هو ما لا ينطق لساني به؛ فقال: هاته. . . وكان يحب أن تعاد الأحاديث والأقاويل على وجهها من غير كناية عنها ولا احتشام فيها. فقلت: نعم؛ قال: (وذكر له بعض النقائص فقربها). . . ثم قال: وقد ذكر هذا الأستاذ وأومأت إلى أبي القاسم وأبي الريّان وجماعة الحواشي فقال: ما قال في أبي القاسم؟ قلت: قال: إنه ابتاع من ورثة ابن بقية ناحية الزاوية من رازان بأربعة آلاف درهم بعد أن أستأذنك استئذانا سلك فيه سبيل السخرية والمغالطة، واستغلها في سنة واحدة نيفاً على ثلاثين ألف درهم، وأنه أعطى فلاناً وفلاناً ثمانية آلاف درهم على ظاهر البضاعة والتجارة، فأعطاه نيفاً وستين ألف درهم. فمات أبو القاسم عند سماعه ذلك،

<<  <  ج:
ص:  >  >>