أجمع فريق من الحكماء والمصلحين وفي طليعتهم الموسيقي البولوني المشهور أنتون بادريسكي على أن الفنون الجميلة تسير بخطى واسعة نحو الفناء. ومما قاله ذلك العبقري الموهوب أن تلك الأنغام العميقة التي كانت ترفع الروح إلى الملأ الأعلى توارت أمام الموسيقى الأميركية الحديثة.
لقد صدق هذا الفنان في تعليله؛ فإن رجل الفن كان في الماضي البعيد يغذي عبقريته بجمال الطبيعة. أما الآن فهو لا يعنى بإغناء موهبته وتهذيبها، إذ طغت موجة المادة وتبدلت أغراض الحياة فاختلفت عما كانت عليه في سالف الأجيال.
ليس من ينكر أن عصرنا هو عصر الراديو والسيطرة على عناصر الوجود. فالذوق البشري يتجه اتجاهاً نحو المادة هازئاً بالروح. وقد نجم عن ذلك أن تدني مستوى الموسيقى والشعر وسائر الفنون. وكما أن الآلة لا تفهم الفن، فهل يفهمه الإنسان المستعبد للآلة؟
إن فن الرسم، وهو من أرقى الفنون، فقد كثيراً من روعته بسبب اختراع آلة التصوير. وقد لاحظ أحد الرسامين أن الفنان في الماضي كان يعنى عناية خاصة بإعطاء الصورة ملامح الوجه وتقاطيع الجسد - وهذا يظهر جليا في رسوم رفائيل وليونارد دى فينشي ولاكروا وسواهم - بينما نرى أكثر مصوري اليوم يهتمون بتصوير خطوط سطحية دون أن يعنوا بإيجاد الفكرة والمقاصد النفسية والخلقية في الإنسان.
وما يقال عن فن الرسم يقال كذلك عن الموسيقى، إذ أن الموسيقى الكلاسيكية لا تزال مرجعاً للناس في هذا العصر. ولم يظهر حتى اليوم من تفوق على بيتهوفن وباخ وموزار وشوبين وبيزيه وفردي - في زمن نرى فيه من يخترع القنبلة الذرية بدلا من أن يخفف مصائب المجتمع.
فإذا كان الرسم والموسيقى قد منيا بالرزيئة الفادحة فهل يتمتع الشعر، وهو أجلى مظهر من مظاهر الألوهة في الإنسان، بتلك المنزلة التي كان يشغلها قديماً؟
لقد كان للشعر دولة وأعلام في الغرب؛ أما اليوم فنرى نظماً لا شعراً، وقشوراً لا لباباً، وقتاماً لا نوراً. والسبب الوحيد هو أن الإنسانية أشاحت عن جوهر الجمال إلى مساخر