للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[التخيل]

للدكتور جميل صليبا

للتخيل بحسب اصطلاح الفلاسفة معان كثيرة فبعضهم (ديكارت) جعله قوة مصورة تعيد ما في الخيال من الصور وتمثله تمثلاً محسوساً. وبعضهم جعله قوة مبدعة تركت الصور وتؤلف المعاني الجديدة وتخترع. وبعضهم جعله قوة وهمية كاذبة تنشأ عنها الأوهام والأحلام، حتى لقد وصف تلاميذ ديكارت هذه القوة بقولهم: إنها (مجنونة المنزل) و (باعثة على الخطأ والرذيلة) أما فلاسفة العصر الحاضر فيجدون التخيل ضروباً للإنسان لأنه يخفف آلامه ويحبب إليه الحياة ويكشف له عن أسرار الكون. إن اختلاف معاني التخيل جعل أحد الفلاسفة المعاصرين يقول: إن هذه الكلمة الضرورية للغة العامة يجب أن تزول من قاموس علم النفس لكثرة معانيها وأنه يمكن استبدالها بكلمات أوضح منها كالمصورة والإبداع والأحلام. على أنه لا غنى لنا عن هذا الاصطلاح أن في كل من المصورة (التخيل التمثيلي) والإبداع والأحلام شيئاً من التخيل. ولنبحث الآن في التخيل المبدع

التخيل المبدع

التخيل التمثيلي المبدع: الحقيقة والخيال

التخيل التمثيلي هو ذاكرة بدون عرفان، أو هو كما قيل رجوع الصور النفسية إلى ساحة الشعور. ونحن نعلم أن الصورة هي بقاء الإحساس في الشعور بعد غياب المؤثر. أو هي ذكرى الإحساس. فإذا أسترجع الإنسان صورة جبل أو نهر ولم يعرف أي جبل يرى ولا أي نهر يتصور كان تخيله تمثيلياً لأن الخيال يعيد ما حفظته النفس وبقي فيها بعد غياب المحسوسات. فهو إذن شبيه بالذاكرة إلا أنه كما قلنا ذاكرة بدون عرفان. إن هذا الخيال التمثيلي يقتصر كما ترى على استرجاع الصور المحفوظة في النفس. أما التخيل المبدع فيركب هذه الصور ويستخرج منها نماذج جديدة. أنظر إلى المصور، أنه يرسم بريشته صورة خيالية يراها في أعماق نفسه فهو لم يسترجع صورة بسيطة محفوظة في نفسه فقط بل ركب بعض ما في هذه الصور البسيطة إلى بعض فألف منها صورة جديدة.

إلا أن هذا الفارق بين التخيل التمثيلي والتخيل المبدع ليس مطلقاً، لأن الخيال التمثيلي لا يسترجع الصور النفسية كما هي بل يبدلها فيمحو بعض عناصرها ويضم إليها بعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>