العناصر الجديدة. وقد بينا ذلك عند البحث في الشعور وخطور الذكريات. فالذكريات ليست صوراً مطابقة للماضي بل هي في الغالب مركبة من الماضي والحاضر معاً، لأن النفس تنشئها إنشاء، والإدراك ليس بسيطاً بحيث يحدث في النفس خيالاً مطابقاً للشيء المدرك فقط. بل هوة إنشاء صورة مركبة من عناصر نفسية متحولة. فالصورة ليست إذن خيالاً ثابتاً بل هي حقيقة متبدلة، حتى لقد قال المسيو (لوروا): (الإدراك والتذكر كل منهما اختراع).
وعكس ذلك صحيح أيضاً. أي إن التخيل المبدع لا يبدع الصور من العدم بل يستمد عناصرها من الواقع. فالخيال إذن منسوخ من الحقيقة. وقد فرقوا في الإبداع بين الصورة والمادة فقالوا: إن التخيل لا يبدع مادة جديدة بل يقتصر على جمع بعض الصور إلى بعض فيحلل ويركب ويصغر ويكبر. فهو يبدع صورة جديدة، إلا أن مواد عمله مقتبسة كلها من الواقع. فالصورة وحدها إذن جديدة، والتخيل مبدع بمعنى أنه يجمع العناصر بعضها إلى بعض فيؤلف منها مركبات جديدة. فكل إبداع هو في الحقيقة تركيب.
وإذا قيل: إن العقل لا يقتصر في الإبداع على جمع الصور وإنه إنما يجمع هذه الصور إلى المعاني المجردة والأحوال الانفعالية والنزعات والأهواء، قلنا مهما كان نوع التركيب، ومهما كانت حالة العناصر فأن الإبداع ينتهي دائماً إلى الصور. قال أحد العلماء المعاصرين ما خلاصته:(المخترع شاعر حدسي. قد يقال إن هناك عقولاً منطقية، جدلية لا تتقدم إلا بالقياس والخطاب - سيراً على طريقة (فوبان) الذي كان لا يهجم على حصن قوي إلا بعد أن يعد للأمر عدته - غير أن الأمر على خلاف ذلك، لأن هذه العقول حدسية أيضاً. فهي تجمع ثنايا الطرائق وأصول المنطق وأحكام العقل وصور القياس بعضها إلى بعض بدلاً من أن تجمع الألوان والأصوات والأوزان والاستعارات الحسية، والأوضاع المشخصة). ومهما كان الاختراع في أوله بعيداً عن الصورة فهو دائماً يقلب المثال المجرد إلى صورة محسوسة تدل عليه وتجيبه وتخرجه من أعماق اللاشعور إلى الحياة الظاهرة الملموسة.
هل تستطيع النفس أن تبدع الصور؟
إن أكثر علماء النفس يقولون مع (لوك) إن النفس عاجزة نفسها عن إبداع أية فكرة