بسيطة. فكل صورة هي إذن نسخة، ولا تصور إلا بالإحساس. إن الأكمة لا يستطيع تصور الألوان، والأصم لا يستطيع أن يبدع الألحان. فالتخيل ليس مبدعاً من حيث هو موجد، بل هو مبدع من حيث هو مركب
إلا أن الفكر يجمع كما قلنا في هذا التركيب عناصر مختلفة فهو يجمع الصور المشخصة إلى الفكر المجردة، والنزعات والأهواء. ولعله لا يعجز عن إبداع بعض الفكر، أما الصور فلا يتناولها إلا عن طريق الإحساس، وإذا تمثلها أمكنة أن يمزج بعضها ببعض ويحصل بهذه الممازجة عن صور جديدة. نعم إن الأكمة لا يستطيع تخيل الألوان، ولكن البصير يستطيع أن يتخيل ألواناً متوسطة مركبة من الألوان البسيطة فيتصور لوناً بنفسجياً أكثر احمراراً من البنفسجي الطبيعي. قد يقال: إن الطبيعة أغنى من الفن، وإن اختراعات المصورين ليست إلا تقليداً لما في الطبيعة من الصور المختلفة وإن في غروب الشمس من الألوان ما لا يستطيع أعظم المصورين أن يأتي بمثله. هذا صحيح، لأن الألوان الطبيعية أكثر تنوعاً من الألوان الفنية. إلا أن أصوات الطبيعة أفقر من أصوات الفن، وهي في الغالب على نمط واحد، كحفيف الأغصان وتغريد الطير، وخرير الماء، ونقيق الضفادع. إن آلات الفن ليست من هبات الطبيعة بل هي من اختراع الإنسان. نعم إن الإنسان لم يتصور بوضوح لحن العود قبل اختراعه له ولكن العود لم يتكامل إلا بعد أن أنتقل الإنسان به من صوت إلى آخر وتخيل في كل دور من أدوار انتقاله صوتاً أحسن وقعاً وأعمق تأثيراً من الأصوات المألوفة، ففي كل درجة من درجات هذا التكامل قد تقدم الخيال وأبدع صورة جديدة لا عهد للفن بها من قبل.