للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الريف]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

أراني كلما فسد الجو، وكثر تقلبه، وعز الاطمئنان إليه، أميل إلى الخروج إلى الصحراء أو الريف، ولا أطيق القعود في البيت؛ ولست اعرف لهذا المزاج - الشاذ فيما اعتقد - تعليلاً يسكن إليه العقل وتستريح إليه النفس. فأما انه مزاج شاذ فاعرفه من صياح أهلي حين يرونني ارتدي ثيابي والمطر منهمر والريح تعصف، وأهم بالخروج؛ ولست أراهم يملون أن يقولوا لي: (يا شيخ، ما هذا الجنون؟ تخرج في هذا المطر!! أما أن هذه لحكاية! اقعد. . . اقعد. . . نضرم لك الفحم، ونشوي (أبا فروة) أو نمص القصب ونحمد الله على وقاية الجدران) فأهز رأسي وأقول: (ما أحلى هذا! ولكني لا أطيق المكث هنا على حبي له بينكم، ولست احب أن أفارقكم لحظة، وانه ليعز على إلا تأخذكم عيني في حيثما أكون، ولكن نفسي أمارة بالسوء، أو بالحماقة، أو بما شئتم غير ذلك. فإذا كنتم تحبونني فتعالوا معي. . . فان الفضاء رحيب، الصحراء واسعة، وهاتوا القصب معكم، وأبا فروة أيضاً. . . نضع هذا كله في السيارة ونمضي بها. . . قوموا)

ولكنهم لا يفعلون، فامضي وحدي وأعود بزكام أو برد، ولكني أعود مستريح النفس هادئ الأعصاب!

وقد كنت أقول لصديق لي منذ بضعة أيام، وهو من أصحاب العقول المثقفة، والنظر البعيد، والغوص الشديد: (يا أخي، لماذا لا يحب المصريون الريف؟)

قال: (وكيف لا يحبونه وهم لا يبرحونه؟)

قلت: (إنما اعني أهل المدن - القاهرة مثلا - قلما يخطر لهم أن يقضوا أيام البطالة والفراغ من العمل في رحلة إلى الريف)

قال: (وأين تريد أن يذهبوا، وليس في الريف لغير أهله مذهب أو مقام؟)

قلت: (هذا هو سؤالي. . . لو كان الناس عندنا يحبون الريف ويطيب لهم أن يقضوا فيه كل ما يسعهم أن يخسروه من الوقت، لتغير حال الريف، وتكيف على مقتضى هذه الرغبة، وصار لغير أهله فيه مذهب ومقام)

قال: (ربما) وانقطع كلامنا في ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>