للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المصادر الإغريقية للفلسفة الإسلامية]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

لا يستطيع باحث أن يفهم الفلسفة الإسلامية فهماً صحيحاً دون أن يدرسها على ضوء الفكر الإغريقي ومتجاته، ولا نبالغ مطلقاً إذا قلنا إنه تعذر علينا أحياناً فهم مسألة لدى (الفارابي) أو (ابن سينا) قبل أن نقرأ مصدرها في كتب (أرسطو) أو (أفلاطون). وعلّ أحسن ما كتب في تاريخ الفلسفة الإسلامية إلى اليوم كان من عمل رجال قارنوا القديم بالحديث، وقرّبوا فلاسفة الإسلام من أساتذتهم الإغريق. على العكس من ذلك يكاد يرجع العيب العام لأكثر ما كتب في هذه الناحية إلى أن مؤلفيه نسوا أو تناسوا الصلة بين الفلسفة العربية والفلسفة الإغريقية؛ فنسبوا إلى أشخاص آراء ونظريات ليست نتيجة بحثهم وتفكيرهم المستقل، ومن التجني على الحقيقة والتاريخ أن يعزي إلى عالم أو فيلسوف، ما لم يأت به ابتداء، وما لم يبتكره ابتكاراً، ومنشأ هذا الإسناد الباطل جهل بالتاريخ وإغفال للعلاقات الثابتة بين المراحل المختلفة للتفكير الإنساني، فرب فكرة بدت مبتكرة في حين أن الأقدمين اهتدوا إليها من فبل وأبرزوها في صورتها الحاضرة، أو في صورة أخرى تبعد عن هذه بعض البعد. ومن الغريب أن هناك طائفة من المؤرخين تنزع إلى اعتبار أبطالهم ومن يكتبون عنهم مصدر كل جديد؛ فهم ينسبون إليهم شخصياً كل ما جاء في كتبهم أو روي عنهم. في هذا، بلا شك، اعتداد كبير بمن يترجمون لهم، ومن يدرسون حياتهم؛ غير أن النزاهة والتحقيق العلمي يأبيانه. قد يبدو طريفاً أن يقال إن نظرية كذا من ابتكار فلان وحده، ولكن أليس أطرف من هذا وأعمق بحثاً أن يبين المؤلفون المقدمات التاريخية التي مهدت لهذه النظرية؟ قضى الناس زمناً يرددون فيه أن (ديكارت) مثلاً اخترع نظرية الشك الفلسفي اختراعاً دون أن يتأثر فيه برأي سابق؛ وها هم أولاء اليوم يعلنون أنه سبق إليها في صور أخرى مصغرة، ويبرهنون على ذلك بطرق دقيقة أخّاذة إزاء هذه الظروف كلها نحاول في هذه الكلمة أن نلقي نظرة عامة على المصادر الإغريقية التي كانت ذات أثر بين في تكوين الفلسفة الإسلامية، وفي تعرف هذه المصادر ما يعيننا على أن نحدد بالدقة ما جاء به العرب، وما سبقهم إليه الأقدمون عرف المسلمون الفلاسفة السابقين لسقراط ونصف السقراطيين - والسفسطائية واللاأدرية والرواقيين والأبييقورين فنظرية (الجوهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>