للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

خطبة الأستاذ الزيات في مجمع فؤاد الأول للغة العربية:

قال لي بعض الأصدقاء متسائلين: لماذا لم تعقب على خطبة الزيات في مجمع فؤاد الأول وقد كانت حديث الناس في المجمع وخارج المجمع؟ وقلت للأصدقاء رداً على التساؤل الذي يتطلب شيئاً من الإيضاح: أما التعقيب فقد أرجأته حتى يقرأ الخطبة هنا من لم يستمع لها هناك، وكذلك الخطبة التي سبقتها في الإلقاء وأعقبتها في النشر.

والآن، وبعد أن طالع الناس الخطبتين على صفحات الرسالة أود أن أقول كلمة عن الزيات الصديق، والزيات الأديب، والزيات الإنسان. . . كلمة تتناول هذه النواحي الثلاث جمعياً، ورائدها الضمير الذي يتفيأ ظلال الصدق ولا تلفحه حرارة الصداقة، ويستروح أنسام الحق ولا تعصف به رياح المجاملة!

أما الزيات الصديق، فقد قدمته إليك نفحات من الوفاء تجلت في عباراته، وما أكثر ما تطمس يد الزمن سطور الوفاء من صفحة القلب نحو من تطول غيبته، ثم لا ترجى بعد ذلك أوبته. . . ولكن الزيات في موطن الذكرى الباقية نحو أنطون الجميل، كان مثال الصديق الذي يعدد المآثر في حساب الشعور لا في حساب السنين والأيام، وتلك هي غاية الوفاء؛ فمآثر أنطون الجميل في حساب الزيات أو في حساب شعوره، تدفعه إلى القول بأن كرسي الرجل ينكره كما ينكر الفرس الجواد راكبه الغر، أما حساب السنين والأيام، فهو حساب تاريخ الأدب يوم أن يؤرخ الأدب، يوم يكون للزيات فيه صفحات تنكر قوله بأن كرسي الجميل ينكره!

ما أكثر ما يظلم هذا الرجل نفسه إذا ما تحدث عن نفسه!

ولكن الذين يعرفون الزيات كما أعرفه، يعرفون فيه صفتين قل أن تجتمعا لرجل في هذا العصر الذي نعيش فيه: الحياء، والوفاء. . . ومن هاتين الكلمتين يمكنك أن تخرج بأصدق عنوان لكتاب حياته! ولا تعجب إذا قلت لك إنني كثيراً ما ضقت بحيائه، وثرت على وفائه؛ ذلك لأن وفرة الحياء قد تحول بين صاحبها وبين كثير مما يتطلع إليه أصحاب الطموح، وقد تدفعه إلى الرضا عن الشيء وهو ضائق به، وإلى السكوت عن الأمر وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>