قادر عليه، وفي ذلك يقول الزيات في كلمته:(ولقد حدثتني نفسي - شهد الله - حين تأدى إليَّ خبر انتخابي لعضوية المجمع أن أستعفيه من هذا التشريف، لا زهادة في الشرف، ولا رغبة عن العمل، ولا فراراً من الواجب، ولكن لعلة نفسية مزمنة كان من أخف أعراضها أني أحسن العمل منفرداً أكثر مما أحسنه مجتمعاً، وربما جعلتني - لعنها الله - أعلم الشيء ولا أقوله، وأسمع الخطأ ولا أصوبه، وأرى المنكر ولا أغيره!)
هذا عن الحياء وهو عجيب، وما أعجب الرجل بعد ذلك في مجال الوفاء. . . أعرف أناساً فتح لهم الزيات قلبه، وسقاهم من نبع حبه، ومنحهم من فيض ثقته، وأخلص لهم في السر والعلانية. ودار الزمن دورته فتنكر هؤلاء جميعاً لصداقته، وتجاهلوا ما كان من مودته، وقطعت أحقاد النفوس كل ما كان بينهم وبينه من صلات. ومع ذلك فقد نسى الرجل الإساءة وصفح عن حاضرهم وحاضره، وعاش بفكره وشعوره في ماضيهم وماضيه؛ ذلك لأنه لا يستطيب العيش إلا في ظلال الوفاء، ولو كان الوفاء وهماً يحلق على أجنحة الماضي البعيد فوق ركام الذكريات. . . وأجادله في موقفه من هؤلاء الناس فيبتسم، وأدفعه إلى لقائهم بمثل ما يلقونه به فيعتذر، وأثور على هذا كله فيلوذ بالصمت!
وحين أخلو إلى نفسي وأذكر ما كان منه وما كان مني، لا أملك إلا أن أخفض قلمي تحية لحيائه، وأحد من ثورتي إجلالاً لوفائه؛ ذلك لأن الإفراط في الحياء ولو جنى على القيم، والإغراق في الوفاء ولو كان لغير أهله، صفتان أقل ما يقال فيهما إنهما ترفعان الغطاء عن حقيقة إنسان!
أما الزيات الأديب، فيحدثك عنه اسمه اللامع وماضيه الطويل، وإنما أريد أن أحدثك عنه اليوم على ضوء كلمته التي سمعها البعض في المجمع، وقرأها البعض في (الرسالة). . . أدب وتاريخ أدب ونقد: في الأول أسلوب وعرض، وفي الثاني إحاطة وصدق، وفي الثالث ذوق وميزان. وأبلغ الدلالة على هذا كله أن يقول الزيات في معرض الموازنة بين المدرستين المصرية واللبنانية: (وظلت المدرستان الشقيقتان تنتجان الأدب في ضروبه المختلفة بأسلوبين مستقلين، أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحاضر، على ما كان بينهما من تفاوت في الطاقة والمادَّة والصنعة والتقيُّد والتحرر، وبقيت المدرسة الأزهرية الأم عاكفة على النظر المجرد والجدل العقيم بين أروقة الأزهر والزيتونة والأموي