يخيل لكثير من الناس أن إخراج كتاب أو نشره عمل يسير، يستطيع أن ينهض به كل من يستطيع أن ينسخ، ثم يستطيع بعد ذلك أن يقدم ما نسخه إلى المطبعة. هكذا يخيل لأكثر الناس، وكذلك كان يخيل إلي أيضاً قبل أن أبتلي بهذا اللون من الجهد العلمي، حتى إذا كان ذلك تبين لي أن جهداً يبذل في نشر كتاب وتحقيقه دونه بكثير كل جهد يبذل في التأليف وإن كان عظيما؛ لأن المؤلف صاحب الموضوع الذي يؤلفه، اختمرت في رأسه فكرته، وأعد له ما يعينه من المراجع. أما الناشر فما اكثر ما يصادف من عقبات لا يستطيع اجتيازها إلا الكفء الجلد، وناهيك بعقبات التمزيق والعث وما يقع فيه النساخ من أخطاء التصحيف والتحريف.
وفي المكتبة العربية نفائس لا يحصيها إلا الله، ولكنها مطمورة في زوايا النسيان، لا تصل إليها الأيدي، ولا ينتفع الناس بما تحوي من علم وفن، حتى يتاح لهذه النفائس من ذوي الغيرة من يأخذ بيدها فينفض عنها غبار السنين، ويعم الانتفاع بها.
ونحن في نهضتنا الحاضرة محتاجون أشد الحاجة إلى بعث هذه الكنوز من مدافنها؛ فإن في هذا البعث خدمة قومية إلى ما يؤديه من خدمات علمية أو فنية، فإحياؤها فرض ليس لقادر عليه أن يكف عنه.
ولهذا لا يسعنا إلا أن نرحب بديوان الوزير محمد بن عبد الملك الزيات، وإلا أن نشيد بفضل ناشره العالم الأديب الدكتور جميل سعيد أحد أساتذة الأدب في دار المعلمين العالية في بغداد، الذي أضاف إلى الأدب ثروة فنية تعين الباحثين ومؤرخي الأدب بنشره هذا الديوان، فعامة العلماء والأدباء يعرفون ابن الزيات كاتباً أكثر مما يعرفونه شاعراً، وهم يعرفون كيف سما الأدب بإبن الزيات حتى كان الوزير والمصرِّف للأمور في عصر من