أزهى عصور الدولة العباسية، ولم يكن له من الحسب أو الجاه ما يرشحه لهذا المنصب الخطير، وهو زيات ابن زيات، سوى الموهبة الأدبية.
وقد قدَّم الدكتور جميل الديوان بترجمة موجزة لحياة الرجل ووضفت النسخة التي نقل عنها، ثم ذكر في مقدمته عدة آراء في ابن الزيات وشاعريته استخلصها من شعره، وأكثر هذه الآراء وفق فيه توفيقاً مظيما يشهد له بالأصالة والبراعة والحاسة الفنية المرهفة
وكان سر هذا التوفيق أن صاحبه كان صادقاً، وكان ميزاناً هدلاً لنفسه، ولصاحب الديوان الذي نشره، فلم يفرط في تقريظه والتنويه به؛ شأن كثير من الذين يعتدون بالموضوع الذي يدرسونه أو الشخصية التي يعالجون تحليلها. . .
ومن أمثلة الإنصاف قوله عن الشعر الذي عثر عليه في ديوان ابن الزيات: إنه (لا يمثل حياة ابن الزيات كاملة. وربما كان له شعر لم يجمعه جامعه).
ثم تراه يقول:(إن أشعاره التي في ديوانه هذا لا نراها تضعه في مصاف الشعراء المطبوعين، وقد لج الهجاء بينه وبين علي ابن جبلة، والقارئ حين يقرؤه يجد الفرق واضحاً بين ابن الزيات وبين الشاعر المطبوع علي بن جبلة).
ومثل هذه الآراء سديد موفق، ومبعث السداد والتوفيق - كما قدمنا - أن صاحبها كان صادقاً في قوله صدقه في إحساسه الفني.
ولكننا على الرغم من إعجابنا بهذه الآراء وتقديرنا للجهود الفنية التي بذلت في نشر الديوان، لا نتفق مع الأستاذ الناشر في فهم معنى ما أورده ابن رشيق في العمدة نقلا عن الجاحظ في قوله:(طلبت علم الشعر عند الأصمعي فوجدته لا يحسن إلا غريبه فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يتقن إلا إعرابه، فعطفت على أبي عبيدة فوجدته لا ينتقي إلا ما اتصل بالأخيار وتعلق بالأيام والأنساب، فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب كالحسن بن وهب ومحمد بن عبد الملك الزيات).
فقد فهم الدكتور جميل من هذه العبارة أن الجاحظ يفضل هذين وأضرابهما على سائر الشعراء تفضيلا مطلقاً، وقد بنى على هذا الفهم مناقشة هذا الرأي في قوله: (وبعد، أفكان ابن الزيات من المكانة الشعرية بالمحل الذي ذكره به الجاحظ والصاحب وابن رشيق.
إننا لا نستطيع أن نفهم هذا الفهم الذي تبادر إلى ذهن الدكتور جميل من هذه العبارة، فإن