كنت يوماً من الأيام راضي النفس، ساكن الجأش، هادئ العاطفة؛ ونظرت فإذا بارقة من أمل تبرق في جو الأزهر فينبثق منها نور وهَّاج تضوء به أرجاؤه، وتصفو له سماؤه، ويشرأب إليه الناس بأبصارهم وأعناقهم متطلعين
كتبت يومئذ في (الرسالة) مقالاً: أما موضوعه، فهو موضوع اليوم (برنامج الإصلاح في جماعة كبار العلماء)؛ وأما عنوانه الذي أوحت به النفس يومئذ، فقد كان كلمة جميلة خفيفة على الأسماع، أعتقد أنها ترجمة واضحة لما كان يدور بالنفوس المستبشرة قبل أن تكون عنواناً لمقال يتحدث عن أعمال (جماعة كبار العلماء)، تلك الكلمة هي (آمال. . .)
ولكنني أعترف الآن أنني كنت مغالياً ومسرفاً في الخيال إلى حد بعيد حين اخترت هذه الكلمة عنواناً لمقالي، وأنه كان عليَّ يومئذ أن أذكر تاريخ الإصلاح في مصر بوجه عام، وتاريخ الإصلاح في الأزهر بوجه خاص، لأختار كلمة أخرى غير كلمة (الآمال). ولست أدري: أمن تقاليد (الرسالة) أن تسمح أحياناً لكتابها بتصحيح ما سلف من العناوين؟ ولكن أنَّى ذلك وقد سارت بذكرها الركبان، وانقضى عليها أزمان وأزمان؟
عفا الله عما سلف! وليكن حديث اليوم تصحيحاً لحديث ألامس، ولنجعل عليه عنواناً غير ذلك العنوان، هو (أحلام. . .)
كتب الأستاذ الكبير صاحب (الرسالة) مقالاً خطيراً بالعدد (٤٥٦) عنوانه (لابد للإسلام من مؤتمر)؛ وقد استعرض فيه حالة الشرق والعرب، وذكر تودد الغرب إلى المسلمين في ظروفهم الحاضرة، ثم عرج بالحديث إلى (العلماء) فقال:
(ولئن سألتني بعد ذلك: هل بلَّغ العلماء رسالة الله؟ لأقولن لك (لا) مغلظة مكبرة مكررة! وأكبر الظن أنهم لا يؤمنون بأن لهم رسالة، وأن عليهم تبعة: رجال السياسة يعملون بحق أو بباطل، ورجال الحكم يتصرفون بعدل أو بظلم؛ أما رجال الدين في ممالك الوطن الإسلامي كله، فقد قنعوا باللقب والزي، واكتفوا بالشبع والري، ورضوا أن يكونوا متوناً لذوي الطمع، وحواشي لأولي النعمة، وهوامش على صفحة الحياة!)