راق بعض إخواننا من أفاضل العلماء ما ذكرته في إنمار ذي الخويصرة التميمي على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حنين وأعجبه إرجاعي ذلك الإنكار إلى جمود ذي الخويصرة، وأنه يرى الوقوف في الدين عند حدود القواعد، ولا يرى الأخذ في ذلك بشيء من التساهل، وقد أداه هذا التنطع في الدين إلى ذلك الإنكار الفاضح، وكان من النبي صلى الله عليه وسلم أ، أعرض عنه في ازدراء، وتركه في ذلك الجهل الفاضح الذي لا يقبل الدواء، لأنه من الجهل المركب وهو شر أنواع الجهل، وصاحبه لا يفيد فيه العلاج أصلاً.
وقد كان هناك إنكار آخر من الأنصار على قسمة غنائم حنين، وهو أدل على ما راق ذلك العالم الفاضل من أن الجمود على القواعد ليس من الدين في شيء، وأنه لا قيمة لمنطق الألفاظ إذا اعترضه منطق الحوادث، لأن منطق الألفاظ يسهل تذليله لمنطق الحوادث بشيء من التصرف في دلالتها، أما منطق الحوادث فصريح لا يقبل تأويلاً، ويأبى إلا أن يخضع له منطق الألفاظ.
وكان إنكار الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى قومه من غنائم حنين ما أعطى ولم يعطهم، فوجدوا في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة - وهي القول الردئ - وقال بعضهم: إن هذا لهو العجب: يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! وفي رواية أخرى: إن هذا لعجب، إن سيوفنا تقطر من دماء قريش، وإن غنائمنا ترد عليهم. وقال آخرون منهم: إذا كانت شديدة ندعي إليها، ويعطي الغنيمة غيرنا!.
وقال حسان بن ثابت في ذلك:
دع عنك شماَء إذ كانت مودتها ... نزراً وشرُّ وصال الواصل النزرُ
وائت الرسول فقل يا خير مُؤتمن ... للمؤمنين إذا ما عُدّدَ البشرُ
علام تدعي سُلمٌ وهي نازحةٌ ... قدَّامَ قوم هم آوواْ وهم نصروا
سماهمُ الله أنصاراً بنصرهمُ ... دين الهدى وعوان الحرب تستعر