نجالد الناس لا نُبقي على أحد ... ولا نضيِّع ما توحي به السوَر
كما رددنا ببدر دون ما طلبوا ... أهلَ النفاق وفينا ينزل الظفرُ
ونحن جندك يوم النَّعف من أُحُد ... إذ حزَّبت بَطراً أحزابها مُضرُ
فما ونيْنا وما خمْنا وما خبروا ... منا عثاراً وكل الناس قد عثروا
وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإنكار من أصحابه الأنصار، فلم يهمه أمر الألفاظ التي بلغته، ولم يبحث عن دلالتها على الشك في رسالته أو عدم دلالتها عليه، ولم ينظر إلى ما تقضي به قاعدة الإنكار عليه من كفر أو نفاق، بل نسي ذلك كله ولم يعبأ به ولم ينظر إلا إلى ماضي الأنصار الحافل بالجهاد في نصر الدين، ولم يذكر إلا أنهم آووه وآثروه وأصحابه على أنفسهم حين هاجروا إليهم، وبذلوا دماءهم وأموالهم حتى تم له ما تم من النصر على قومه وغيرهم، وليس من حسن السياسة أن يؤخذ الصاحب بزلة لا تذكر بجانب حسناته، وليس من الإنصاف أن يحاسب على الألفاظ إذا كانت أفعاله توجب الإغضاء عنها، وتدل على أنه لا يقصد ما فيها من دلالة على كفر أو نفاق. ولا شك أن من لا يراعي مثل هذا في سياسة أصحاه تختل عليه أموره، وتضطرب أحواله، وينظر فلا يجد له صاحباً ولا نصيراً.
وهكذا آثر النبي صلى الله عليه وسلم ما يقضي به حسن السياسة من أخذ أنصاره باللين، والتغافل عما صدر عنهم من تلك القالة. وقد دخل عليه سعد بن عبادة الأنصاري يبلغه شكوى قومه، فقال له: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لمِاَ صنعت في هذا القَيءْ الذي أصبت: قسَّمْتَ في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة. فخرج سعد فجمع الأنصار له، فلما حضروا قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر الأنصار، ما قالةٌ بلغتني عنكم، وجدةٌ وجدتموها عليَّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضُلاَّلاً فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى، الله ورسوله أمَنُّ وأفضل. ثم قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المنُّ والفضل. قال: أما والله لو شئتم لقلتم