للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من أقاصيص العرب

وضاح الشاعر

بقلم احمد حسن الزيات

- ١ -

في اليمن الخضراء، وفي صنعاء ذات الظل والماء، نشأ وضاح أزهر اللون، أصهب الشعر، مليح القسمات، رقيق الأديم، ثم ترعرع بين خمائل الأودية ومروج السهول وأزاهير الربى فازداد رواء وجهارة.

وإذا كان الجمل يكتسب لون الصحراء. والسمك يستفيد مرونة الماء، والطاووس يستعير أفواف الروض؛ فان اليمانيين لم تصلهم بطبيعتهم ولا بيئتهم صلة، فهم سمر الوجوه ضئال الجسوم قصار القدود، وأرضهم مشرقة الأجواء مونقة المناظر خصبة التربة. لذلك رابهم وضاح بقدر ما راعهم، فقالوا إنه من أبناء الفرس الطارئين على اليمن في عهد ابن ذي يزن، ولكن الحكم سفه هذا الرأي وقضى بعربيته

لا يعنيك ولا يعنيني أن نكشف عن دخيلة هذا الشاب فنصف تاريخ أسرته وحقيقة ثروته وطبيعة عمله، إنما يعنينا من وضاح ذلك الفتى الطرير الذي أشقاه شعره وأبأسه شعوره وقتله جماله.

نريد أن ننقل عن لوح القدر هذه الصفحة الدامية التي كتبت لهذا البائس وجرت عليه في غير رفق ولا هوادة.

كان وضاح الجميل الشاعر كالبلبل يعرف في نفسه جمال الريش وجمال الصوت، فهو لا ينفك في حذر من الصائد، وخوف من القفص، فكان يغشى المواسم والأسواق وهو مقنع منتقب خيفة الحاسد وحذر المرأة!!

ولكن المرأة كانت تعترضه بكل سبيل، وتترقبه في كل مرصد، وتتراءى له في كل مكان: تحت النخيل، وفي الأسواق، وعلى الماء، وهو لا يزداد إلا تمنعاً وترفعاً ووحشة، لأنه محبوب ومن طباع المحبوب الادلال؛ ولأنه مطلوب ومن غرائز المطلوب الهرب، ولم يجد

<<  <  ج:
ص:  >  >>