للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مع ذلك فيمن رأى من النساء روحا جذابة ولا قوة غلابة ولا جمالا أبرع من جماله، على أن وضاحاً خلق للحب وكتبت عليه فيه الشهادة! فعيناه على غير علمه ترتادان الحبيب، وقلبه من قلقه وانتظاره يضطرب في حنايا صدره، وعواطفه من اضطرامها وانبساطها تكاد تسيل، وكان يفر من ضوضاء صنعاء ومتاجرها وقوافلها، إلى سكون الصحراء الرهيب، وهدوء الطبيعة الموحش، فيضي سحابة نهاره جالساً في روضة، أو مستلقياً على غدير، أو نائماً في مغارة؛ كأنه نبي من أنبياء بني إسرائيل - ينتظر الرسالة.

- ٢ -

ففي صباح يوم من أيام الربيع مشرق الأديم عنبري النسيم منضور الخمائل استهوته الطبيعة فأخذ يضرب في الأرض حتى متع النهار، وإذا هو على ماء من امواه (الخصيب) من قرى اليمن، وفي الخصيب شد الجمال إطنابه وشاد الحب معبده. والعرب يقولون لك: إذا بلغت ارض الخصيب فهرول!

فجلس وضاح ينضح ظمأه ويرفه عن نفسه إلى أن طاف به الكرى فنام.

تنبه وضاح ساعة الأصيل على صوت رخيم الحواشي، متسق النبرات في رنين الفضة. فنظر فرأى حورية من حواري الحقول قد حسرت عن ساقها وغمست رجلا في الغدير ووضعت رجلا على الحافة وهي منحنية على الماء، تجمع ثوبها بيد وتملأ سقاءها بيد. فرجف قلبه وبرق بصره وخيل إليه أن عينه لم تقع من قبل على فتاة، فنهض يملأ من هذا المنظر الرائع عينيه فلفتتها حركته. فرفعت بصرها إليه في سكون طرف وفتور لحظ. وكأنها همت بالنكوص لولا أن رأت منه ما رأى منها. فوقفت جامدة لا تتحرك، وشاخصة لا تطرف، بل أحست من نفسها الهفوان إليه حين تقابل النظران وتجاذب القلبان وتمشى إليها مشية الحباب في حياء ووناء ورقة. حياها فردت التحية، واستنسبها فانتسبت كندية، واستسماها فقالت (روضة)

ثم جرى بين المحبين حديث الشباب الحيي المضطرب الحائر. . ويكاد نصه يكون واحداً على اختلاف الألسنة والأزمنة فلا نثبته، وكيف يثبت كلام الناظر للناظر، وتدفق الخاطر في الخاطر، وعناق القلب للقلب، وامتزاج النفس بالنفس، ولحن اللسان للسان؟؟

كانت روضة كما تشتهي كل فتاة أن تكون، فهي كما صورها وضاح في شعره (كاعب

<<  <  ج:
ص:  >  >>