للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وضيئة الطلعة لطيفة التكوين مصقولة الجبين يزينه شعر أثيت أشقر كذنب الكميت، زجاء الحاجبين كأنهما شقا بقلم، تقوساً على مثل عين الظبية، ساجية الطرف، ذلفاء الانف، عبلة الذراعين لا ترى فيهما عظما يحس ولا عرقا يجس، طفلة الكفين تعقد ان شئت منهما الأنامل، ممشوقة القد قد أفرغت في قالب الحسن.

وجد كل منهما في الآخر مشابه في زهرة الوجه وصهبة الشعر وهجنة النسب بالدم الفارسي. فتعارفا بلحظة، وتفاهما بلفظة، وتآلفا تألف الاخدان كأنما كانا على موعد!

طوت شمس الطفل الغاربة مطارفها العسجدية عن السهول والحقول فلم يبق منها الاهلاهل على رؤوس التلال وشعاف الجبال وأعراض النخيل، وأخذ الرعاة يروحون بالقطعان إلى الحظائر، وآن للراعية الحسناء كذلك أن تؤوب! فقامت روضة متنافلة، وودعته متخاذلة: وسارت وراء قطيعها تتهادى في مرطها المفوف ونطاقها المحبوك وخمارها الأسود كأنها آلهة الرعاة أو تمثال الحسن

تلاقيا مرة أخرى في سرة الوادي المعشب وقد عملت فيه يد الطبيعة فازَّرته بعميم النبت، وطرزته بألوان الزهر، وضمختة بعبير الخزامي وريا البشام وأرج الرند. فجلسا ساعة تحت دوحة يتساقطان عذب الحديث، ويتناشدان حلو الغزل، ويتساقيان كؤوس الهوى، ثم نهضا يسيران صاعدين تارة في مدارج السيل، وهابطين تارة إلى قرارة السهل، يجنيان الكمأة ويقطفان البهار ويلتقطان الجزع المفصل. فلما نفضت الشمس على الأفق الغربي تبر الأصيل توادعاً ثم تواعدا على اللقاء وتعاهدا على الوفاء بعد أن شق عليها رداءه وشقت عليه هي برقعها استدامة للحب وبقيا على الهوى!

- ٣ -

ظل العاشقان في غفلة الزمان والإنسان يتلاقيان كل يوم على خلاء، حتى نم على هواهما شعر وضاح، فتنبئه الغافل وتحرش العاذل وتحذر الأهل، فحالوا بينها وبين لقائه وتوعدوه.

فكان وضاح يأتي كل يوم على عادته فيجلس في الأماكن التي إعتادها، ويرتاد الغياض التي ارتادها؛ ويستروح النعامي والخزامي فلا يجد قراراً في مكان، ولا جمالا في طبيعة، ولا روحاً في أرج، فيدنو من الحصيب يترصد غفلة القوم ويتنسم ريح روضة ويقول:

يهددوني كيما أخافهم ... هيهات أنى يهدد الأسد؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>