نعم نملك تحريم تعدد الزوجات، ولكن بطريق ما كان يصح أن يخفى على حضرة صاحب المعالي العالم العلامة عبد العزيز فهمي باشا، وقد سلكه أولو الأمر حديثاً في نظائر لتعدد الزوجات، ولم يتعسفوا الطريق إليها كما تعسف في طريق تحريم تعدد الزوجات فوقع فيما لا يصح أن يقع فيه مثله في علمه وفضله، لأن إباحة تعدد الزوجات من الأحكام التي جرى العمل بها في عهد النبوة والصحابة، وفى كل العهود الإسلامية إلى عهدنا الحاضر، وهو الحكم الذي يوافق تشريع الإسلام، لأنه يمتاز بأنه تشريع صالح لكل زمان ومكان.
ومن يخالف مثل هذا الحكم المظاهر يقع فيما وقع فيه الباشا حين أنكر إباحة تعدد الزوجات في الإسلام، فاضطر حين خالف بهذا ما جرى عليه العمل جيلا بعد جيل إلى تعسف لم يقع نظيره من مسلم، ولكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة، ولله العصمة وحده، وقد كان هذا بأن ذهب إلى أن فترة الإسلام الأولى منذ الهجرة إلى آخر الدولة الأموية كانت عهداً مملوءاً بحروب المسلمين وفتوحاتهم، والجنود في كل أمة يدللون ويتجاوز لهم عن كثير من الآثام في مقابل أنهم وهبوا حياتهم للدفاع عن أمتهم، والشباب من جند المسلمين كانت الغريزة الجنسية تتنبه عندهم في أوقات الراحة بين المواقع الحربية، ولم يكن لهم سبيل إلى إجابة داعيها بغير التزوج، لأن الزنا محرم، فكانوا يتزوجون غير زوجاتهم الآتي تركوهن في بلادهم، ثم استمروا على هذه العادة المحرمة، ولم يعدموا من يهونها عليهم بالحيل الشرعية، ثم شايعهم عليها أهلوهم ولو لم يكونوا محاربين، فانتشر العمل بها بين المسلمين في القرن الأول والثاني، ولما جاء عصر التدوين في آخر الثاني وأوائل الثالث كانت هذه العادة قد صارت من التقاليد القديمة المستقرة المحببة إلى المسلمين، فاضطر الفقهاء في كثير من الجهات إلى مسايرتها، وتدوين الواقع من متابعة الناس لها، وتساهلوا في تأويل سندها من القرآن، كما تساهل فيه المحاربون الأولون.
ولاشك أن مثل هذا الكلام لا يصح أن يقال من عالم مثل الباشا درس تاريخ المسلمين، وعرف بإخلاصه لدينه وتقاليده، لأنه لا يعقل أن يسكت المسلمون كلهم على ذلك الإثم، ولا يوجد فيهم واحد يقوم بإنكاره، وينبههم إلى حقيقة أمره، ولكن الباشا حفظه الله وأطال في