عمره يرى أن تعدد الزوجات صار غير محتمل في عصرنا بشكله الأول، وأنه لابد من تقييده بقيود تلائم ما صار إليه المسلمون الآن، فيجد من الأستاذ الفاضل إبراهيم زكى الدين بدوي ومن لا يحصى من العلماء من يقف في طريقه، ويرى أنا لا نملك أن نحرم تعدد الزوجات، لأن في هذه خروجا على إباحة الدين له، كما قبل مثل هذا عند تحديد سن الزواج ونحوه مما جرى العمل الآن به، وأله الناس بعد أن ثاروا عليه عند تشريعه، فيقابل الباشا هذا الغلو في التشدد في أمر القديم، بالغلو في محاولة إبطاله، ويوقعه هذا في خطأ الغلو مثلهم، لأن الإسلام دين وسط لا غلو فيه، وبهذا كان أصلح تشريع عرفه البشر منذ وجودهم على ظهر الأرض.
إن الإسلام قد أعطى تعدد الزوجات حكم الإباحة، ليتصرف المسلمون فيه في كل زمان ومكان بحسب المصلحة، فيأخذوا به إذا اقتضت مصلحتهم، أن يأخذوا به، ويكفوا عنه إذا اقتضت مصلحتهم أن يكفوا عنه، ويكون بهذا حكماً صالحاً لكل زمان ومكان، كما هو شأن سائراً حكام الإسلام، فلم يجعله سنة أو فرضاً على المسلمين حتى يؤخذ فيه شئ عليهم، ولم يضيق عليهم بتحريمه كما ضيق غيره من الأديان، لأن هذا التضييق لا يلائم كل زمان ومكان.
وليس معنى الإباحة في الإسلام أن يأخذ المسلمون فيها بشهوتهم، فلا يقفوا فيها عند حد، ولا يتصرفوا فيها بالحكمة لأنه أسمى من أن يطلق لشهوة المسلمين عنائها في هذا الحكم، وقد أباح لهم لباس الزينة والأكل والشرب من الطيبات، ولكنه لم يطلق لهم أمرها إطلاقاً، بل قال الله في الآية_٣١_من سورة المائدة (يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) فما ظنك بإباحة تعدد الزوجات وأمره فيها ليس كأمر الزينة والأكل والشرب، لأن كلا من هذه الثلاثة مباح مرغوب فيه، أما تعدد الزوجات فهو مباح غير مرغوب فيه، كما قال تعالى في الآية - ٣ - من سورة النساء (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا).
وقد كان الأخذ بإباحة تعدد الزوجات مقبولا في الصدر الأول لأن المسلمين كانوا عدولا متمسكين بأمر دينهم، فكانوا يعدلون بين نسائهم وأولادهم، وكانت النساء لا ترى حرجاً في ذلك التعدد لأنه كان يؤخذ بالحكمة، ولا يتأثر فيه بالشهوة، وكان الأبناء من الزوجات