المتعددة لا يجدون تفاوتا في المعاملة من آبائهم، فلا يحدث بينهم شقاق يضر بدينهم.
ولأن المسلمون كانوا في قلة بين الأمم المجاورة لهم، وقد قامت بينهم حروب متتابعة تحدث فيهم قلة إلى قلتهم، فكانوا في حاجة إلى تعدد الزوجات ليعوض ما يصيبهم في الحرب من فقد الرجال، ويزيد في عددهم حتى يمكنهم أن يدافعوا عن أنفسهم، ويكون فيه علاج لما تحدثه الحرب من نقص عدد الرجال عن عدد النساء، فيجمع بعض الرجال بين زوجتين أو ثلاث أو أربع، ممن فقدن رجالهن في الحرب، ليقمن بوظيفة النسل للمسلمين، ويجدن من يقوم بأمرهن بعد فقد أزواجهن، في حال من الحل لا يكون فيها حرج عليهن، ولا يكون فيها من الضرر بالمجتمع مثل الزنا.
ولأن المسلمين في ذلك الوقت كانوا خير أمة أخرجت للناس، فكانت كل زيادة في تلك الأمة التي أخرجها الله لتؤدى رسالتها بين الناس، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والزيادة في الخير محبوبة، ولا شئ في أن يصار إليه بتعدد الزوجات، لأن كل وسيلة إلى الخير مقبولة.
فهل المسلمون الآن كأهل الصدر الأول؟ وهل يرجى خير من زيادتهم بتعدد الزوجات كما كان يرجى في عهد ذلك السلف الصالح؟ اللهم كلا ثم كلا.
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى وجوه الحي غير وجوههم
فليس المسلمون الآن عدولا كما كانوا في الصدر الأول، فلا تجرى تصرفاتهم في تعدد الزوجات بالحكمة بل بالشهوة، ولا يعدلون بين نسائهم وأولادهم، ولقد كان هذا سبباً في فساد الأسرة الإسلامية، لأن الأسرة لا يستقيم حالها بغير العدل، ولقد جر فساد الأسرة إلى فساد الأمة، لأن الأمة تتألف منها، فيصلح حالها بصلاح حالها، ويفسد حالها بفساد حالها.
وليس المسلمون الآن في قلة كما كانوا في الصدر الأول، لأن عددهم يربو الآن على ثلثمائة مليون، وهذا عدد لا يستهان به إذا ربى تربية صالحة، ولا قيمة له إذا لم يؤخذ بهذه التربية، فهم الآن ليسوا في حاجة إلى زيادة العدد، وإنما هم في حاجة إلى تلك التربية الصالحة.
وليس المسلمون الآن خير أمة أخرجت للناس، حتى يكون في زيادتهم بتعدد الزوجات زيادة في خيرهم، لأنهم لم يجعلوا خير أمة أخرجت للناس بذواتهم، وإنما جعلوا كذلك لأنهم