يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإذا لم يقوموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانوا كغيرهم من الأمم، بل كانوا أسوأ حالاً منهم، وهاهم أولاء الآن لا يقومون بهذه الوظيفة كما كان يقوم بها سلفهم فصاروا إلى كثرة لا خير فيها، ولا يرجى خير في زيادتها بتعدد الزوجات، بل يزيد شرها ويتفاقم كلما زادت، ويتسع خرقه بزيادته على الراقع.
نعم نحن الآن غثاء كغثاء السيل، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأسد على فريستها، فقالوا له: أعن قلة يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن غثاء كغثاء السيل.
ولقد كان العشرون من أهل الصدر الأول يعدون بمائتين، وكان المائة منهم يعدون بألف، بل كان الواحد منهم يعد بألف أو أكثر، أما نحن الآن فالألف منا يعدون بواحد، ولا خير في كثرتنا ونحن على هذا الحال، بل يجب أن نعمل على تقليل عدد الأسرة فينا بمنع الزيادة على زوجة واحدة، ليمكن رب الأسرة أن يربيها صالحة، ويمكننا أن نهنئ جيلاً صالحاً يعتز الإسلام به، ولا يكون كهذا الغثاء الذي يحط من شأن الإسلام، ويحط من قدر المسلمين بين الأمم.
وسيجد الباشا بعد هذا أن ما يريده من منع تعدد الزوجات كان مطلباً سهلاً لا يحتاج إلى ما تكلفه في أمره، وما كان الشارع الحكيم ليعطيه حكم التحريم الذي حاوله الباشا، وهو يزن أحكامه أعدل وزن، فلا يرضى أن يجعل تعدد الزوجات كالزنا في الحكم لأن التسوية بينهما في الحرمة يأباها العقل.
وسيجد الأستاذ إبراهيم بدوي بعد هذا أنه لم يكن له أن يقول في عنوانه (هل نملك تحريم تعدد الزوجات) لأنا نملك هذا من غير نزاع، ونزاعه مع الباشا في أن تعدد الزوجات حلال أو حرام، وهذا له عنوان غير ذلك العنوان، والحق أردت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت.