قص علينا الشاعر الفرنسي (الفرد ده فيني) حديث المعركة التي نشبت بينه وبين الذئب، وانتهت بموت الذئب ميتة سكينة وطمأنينة، بعد أن تظاهر عليه أربعة من الرجال ببنادقهم ومداهم، يشد أزرهم في هذه المعركة كلب من الكلاب الضارية، سقط هو قتيلاً، وأنياب الذئب الحادة في عنقه قبل أن يسقط الذئب قتيلاً برصاص بنادق الصائدين ومداهم. فصور لنا في هذه الحكاية صورة واضحة تمثل إقدام الذئب وجرأته، وثبات الأم ورصانتها، تستبقي لتعلم أولادها تحمل الجوع، وتحيا لتحذرهم من احتمال الخضوع. وتمثل كذلك احتقار الذئب للحياة وزرايته بها، فقد تركها بعينيه الواسعتين، وأستودعها بنظرتين قويتين، أولاهما إلى أعدائه، وثانيتهما إلى أعضائه، ثم أغمضهما ومات ميتة جبار، بل أستاذ في الجبروت يحق أن يتلذذ عليه (فيني) ليلقي عنه هذا الدرس الأخلاقي. فكيف كان أمر شعرائنا مع ذئابهم؟
ذئب الفرزدق:
كان كل ما عرضه علينا الفرزدق من حديثه مع ذئبه أنه عشاه وصرفه:
وأطلس عسال وما كان صاحباً ... دعوت لناري موهناً فأتاني
فلما دنا قلت أدن دونك أنني ... وإياك في زادي لمشتركان
فبتّ أقدُّ الزاد بيني وبينه ... على ضوء نار مرة ودخان
فقلت له لما تكشر ضاحكاً ... وقائم سيفي من يدي بمكان
تعش فان عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
ولو غيرنا نبهت تلتمس القِرى ... أتاك بسهم أو شباة سنان
وأنا لترعى الوحش آمنة بنا ... ويرهبنا أن نغضب الثقلان
لا يريد بذلك ألا أن يدلنا على ما عنده من كرم وسخاء، وشجاعة عند اللقاء، لا يصرفه عن طعامه إقبال الذئب عليه ووقوفه بين يديه، فهو الذي قد بينه وبين الزاد، وأناله منه ما أراد،