مع أنه يعرف ما للذئب من طبيعة الفتك والغدر، ولكنه يعتمد ساعد قوي وسيف باتر.
فقصيدته أذن قصيدة بدوية ليس فيها غير التمدح بالكرم والشجاعة، والجمال الفني فيها قليل.
ذئب البحتري
أما البحتري فقد قدم لنا قصة سينمائية جميلة عن نفسه وذئبه:
وأطلس ملء العين يحمل زوره ... وأضلاعه من جانبيه شوىً نهد '
له ذنب مثل الرِّشاء يجره ... ومتن كمتن القوس أعوج منأد '
طواه الطوى حتى أستمر مريره ... فما فيه ألا الروح والعظم والجلد '
يقضقض عضلاً في أسرتها الردى ... كقضقضة المقرور أرعده البرد '
سما لي وبي من شدة الجوع مابه ... بيداء لم تعرف بها عيشة رغد '
كلانا بها ذئب يحدث نفسه ... بصاحبه، والجد يتعسه الجد '
عوى، ثم أقعى فأرتجزت، فهجته ... فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد '
فأوجرته خرقاء تحسب ريشها ... على كوكب ينقض والليل مسود '
فما أزداد ألا جرأة وصرامةً ... وأيقنت أن الأمر منه هو الجد '
فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها ... بحيث يكون اللب والرعب والحقدُ
فخر وقد أوردته منل الردى ... على ظمأ لو أنه عذب الورد
وقمت فجمَّعت الحصى فاشتويته ... عليه وللرمضاء من تحته وقد '
فأرانا ذئبه رؤيا عين، في لونه الأطلس، ومتنه الأعوج المقوس، وجسمه المنهوك، وعظامه المقضقضة، حتى ملأ قلوبنا رهبةً منه، وخوفاً على صاحبه، ثم صور لنا المعركة التي نشبت بينهما حتى كأننا نراها، وكما أنه أجاد في تصوير تلك المعركة وإبرازها إلينا محسوسة مشهودة، لم يقصر في تصوير جرأته وجرأة ذئبه، واستماتة كل منهما في الذب عن نفسه والغيلة على عدوه، حتى جعلنا نؤمن بعظمته وعظمة ذئبه.
كل ذلك في قوالب متينة محكمة في وضوح وجلاء، وفن بديع مونق يملأ البصر والبصيرة، ولعله قد وفق في هذا شعراً إلى ما لم يوفق أليه أديب نثراً.
ذئب الرضي