للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما ذئب الشريف الرضي فانه ذئب البحتري نفسه، وأما الرضي فأنه أبو عبادة:

وعاري الشوى والمنكبين من الطوى ... أتيح له بالليل عاري الأشاجع

أغيبر مقطوع من الليل ثوبه ... أنيس بأطراف البلاد البلاقع

قليل نعاس العين إلا غيابةً ... تمر بعيني جاثم القلب جائع

إذا فات شيء سمعه دل أنفه ... وإن فات عينيه رأى بالمسامع

تظالع حتى حك بالأرض زوره ... وراغ، وقد روعته، غير ظالع

ولما عوى والرمل بيني وبينه ... تيقن صحبي أنه غير راجع

تأدب والظلماء تضرب وجهه ... إلينا بأذيال الرياح الزعازع

له الويل من مستطعم عاد طعمة ... لقوم عجال بالقِسي النوازع

أخذ ظاهر، وانتحال بين، وهو مع ذلك قد أفاض على حديثه من جمال الفن ما كاد ينسينا حديث أبي عبادة، فلئن فاته حسن تصوير البحتري للمعركة فلم يفته حسن جمالها وتصويرها في صورة صغيرة في بيت واحد:

له الويل من مستطعم عاد طعمة ... لقوم عجال بالقسي النوازع

دل به على جرأة في مبتداها، وظفر بالعدو في منتهاها.

فإذا وضعنا القصة الفرنسة الحديثة بجانب القصة العربية القديمة وجدنا الفرق بينهما جلياً واضحاً، فالقصة العربية كل الغرض منها التمدح بالكرم والعطاء، والافتخار بالثبات عند اللقاء، وما هذه الصورة المخيفة التي صور بها الذئب إلا لينفذ منها الشاعر إلى ما يريد من مدح نفسه بالشجاعة، فليس فيها صورة خاصة لموت الذئب وساعة نزعه، بل أن الشريط لينقطع عند خبر موته، لأنه لا يهم هؤلاء الشعراء الاسترحام عليه أو الرثاء له، فهو عدو غدار نال حتفه بسيف الشاعر البتار وكفى، فليس بين موت ذئابهم إذن وموت أي حيوان أي فرق.

وأما القصة الفرنسية فهي على وحدة موضوعها وصورة ذئبها الخالدة التي ما تبرح مخيلة القارئ، ولا تنفك تعاوده كلما ذكر الذئب، سامية الغرض جليلة لمغزى نبيلة القصد، فالغرض منها اجتماعي تربيوي ذو شأن، فهو يريد أن ينبه القارئ إلى ما يجب عليه من إجابة دعوة القدر بهدوء وسكون، وتلبية نداء الموت في سبيل الواجب برزانة وصمت،

<<  <  ج:
ص:  >  >>