لو أن الأستاذ الغمراوي فحص عن أخلاق أمة من الأمم في نفوس آحادها لوجد اتفاقاً أو شبه اتفاق في خصائص تلك الأمة.
ولا نعني بالخصائص أنها تفردت بأخلاق لا يوجد مثلها في أمة أخرى، فإن الأخلاق شائعة في النفوس البشرية، وإنما نعني أن تلك الأخلاق أكثر شيوعاً فيها بالرغم من تفاوت نفوس آحادها في خصال الحمد والذم والخير والشر، ويستوي في تلك الخصائص من يقرأ فلسفة هربرت سبنسر ومن يقرأ كتب الغزالي، ومن يقرأ شعر شكسبير ومن يقرأ شعر المتنبي، فان تلك الخصائص المتوارثة لها عدوى تذيعها في البيئة الواحدة وهي راسخة لا تغيرها أيام ولا سنوات قليلة، وأسبابها حوادث وشرائع اجتماعية ظلت تؤثر في الأمة زمناً طويلا.
فإذا نظر إلى أخلاق البيئة المصرية وفحص عنها على ضوء هذه الحقيقة وجد أن الخصائص الخلقية شائعة يشترك فيها العظيم والحقير، ويشترك فيها الشيخ والأفندي كما يشترك فيها الفلاح وساكن المدينة بالرغم من التفاوت الظاهري في العادات وفي مقادير رسوخ هذه الخصائص أو المقادير التي تظهر بها وإن كان التشابه في مقاديرها الكامنة أعظم. وأوجه الاختلاف الظاهري تظل ملازمة للمرء ملازمة كبيرة وإن حاول أن يحول بعض خصائص نفسه إلى جانب المقادير المقهورة التي يخفيها في النفس إذا أنتقل من طائفة إلى طائفة أخرى من طوائف الأمة؛ فالفلاح إذا ألبسته طربوشاً أو قبعة لا يخلع خصائصه ولا يستطيع خلعها ويبقى فلاحاً بخصائصه، ولكنه ربما حاول أن يخفي بعض تلك الخصائص في نفسه.
والمذهب الجديد في الأدب هو إلى حد كبير كالطربوش أو القبعة التي يلبسها الفلاح؛ والمذهب الجديد كما أوضحنا قد تأثر مباشرة بما أخذه عن المذهب القديم وبما أخذه بطريق غير مباشر بعد أن تأثر الأدب الأوربي الذي هو وليد نزعة أحياء العلوم في أوربا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر بالأدب والفكر العربي.
ولابد أن الأستاذ الغمراوي قد عاشر طوائف مختلفة من طوائف الأمة وإن لم يكن قد درس